240
الختام:
لقد قدّر اللّٰه لهذه الاُمّة الخالدة أن تعيش في بيئات مختلفة وفي أقاليم عديدة وتجتاز أدواراً كثيرة جدّاً، مختلفة جدّاً، من حرارة وقوّة وجمود وخمود وعنف وقسوة ومصارعة ومقاومة واغراءات مادية وسياسية، وتقدّم في الحضارة والمدنية وتوسع في المال وضيق وضنك وبذخ وترف وعسر ويسر وشدّة ورخاء وتسلّط عدو قاهر وملك جائر، وكانت الاُمّة في حاجة دائمة إلى إشعال جذوة الايمان وإثارة عاطفة الحبّ والحنان وإعادة الوفاء والولاء في سائر الأجزاء والأعضاء، فجعل الحج ربيعاً تورق فيه أغصان هذه الشجرة الخالدة كل عام، تؤتي أكُلها كل حين بإذن ربّها، وتكتسي فيه هذه الشجرة العالمية لباساً جديداً قشيباً غضّاً طريّاً. قال الشيخ ولي اللّٰه الدهلوي: كما أنّ الدولة تحتاج إلى عرضة بعد كل ليتميّز الناصح من الغاش والمنقاد من المتمرّد، ليرتفع الصيت وتعلو الكلمة ويتعارف أهلها فيما بينهم، فكذلك الملة تحتاج إلى حج، ليتميّز الموفق من المنافق وليظهر دخول الناس في دين اللّٰه أفواجاً وليرى بعضهم بعضاً فيستفيد كلّ واحد ما ليس عنده 1.
يأتي موسم الحج كلّ عام ولكنّ المسلمين يعيشون حياة لا طموح فيها ولا ثقة، تحيط بهم ظروف قاسية وتهدّدهم بالذوبان حيناً في تيّار الأحداث والأوضاع المفروضة عليهم والانسياق حيناً آخر مع المصالح السياسية والاجتماعية دون أن يكون لهم رصيد من الذاتية والاستقلال النفسي والفكري في مجالات الحياة المهمة، ذلك بالإضافة إلى ما يكتنفهم من الغموض فيما تصير إليه الحياة الاجتماعية وتتجه إليه المجريات من الاُمور، لقد أنهكتهم المآسي التي تولتها الأيدي الأثيمة لقوى الظلم والبغي والطغيان وقضت على الأمن والهدوء النفسي