150«ما أطيبك من بلدة وأحبّك إليّ! لولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت 1. وفي رواية ما سكنت غيرك» .
(3) ثمّ جاءت هجرة من تخلّف من المسلمين في مكّة، فهاجر هذا القسم إلى المدينة ملتحقاً برسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وتاركاً كلّ ما يملكه قليلاً كان أو كثيراً غنيمةً لمشركي قريش حتّى يسمحوا له بالهجرة.
فهذا صهيب وهو شيخ كان واحداً من هؤلاء المعذَّبين المهاجرين، حينما همَّ بالخروج من مكّة منعه المشركون، فقال لهم: أنا رجل كبير إن كنت معكم لم ينفعكم أو لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم يضرّكم أو لم أضرّكم، فخذوا مالي ودعوني، فأعطاهم ماله، وهاجر إلى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله.
إنّ أكثر من هاجر كان معذَّباً من قبل قريش، ولم تكتفِ قريش بهذا فتتركهم وشأنهم، بل راحت تجرّدهم من جميع أموالهم وما يملكون، فيما صادرت أموال الآخرين ممّن كانوا من أشراف قريش ومن ساداتها الذين آمنوا برسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وهاجروا معه. . وعندئذ تميّزت أكثر دائرةُ العداء بل واستفحل أمره بين المسلمين والمشركين، حيث لم ينته هؤلاء الطغاة من ملاحقة أولئك المؤمنين حتى بعد هجرتهم، وبعد استيلائهم على ما عندهم من أموالٍ في مكّة، وحتّى بعد أن ابتعدوا عن المجتمع المكّي. . . وراحت جذور هذا العداء تمتدّ في العلاقة بينهما حتّى بعد فتح مكّة وإن هدأت شيئاً قليلاً.
لقد راح كلّ واحد من الطرفين يترصّد بالآخر، المسلمون بقيت مشاعرهم مشدودة إلىٰ بلدهم وعيونهم مفتوحةً على أموالهم التي استحلّها أعداؤهم المشركون في مكّة، وكانوا ينتظرون فرصةً تمنّ بها السماء عليهم لإعادتها، وهذا أمر طبيعي لا يختلف فيه اثنان.