249المقام في بيت مرافقه الشاب محمّد البسيوني الذي كان خير دليل له، خاصّة وأنّ أهل مكّة أدرىٰ بشعابها.
يقول بورتون عن مكّة حينما وصلها لأوّل مرّة: إنّه لم يجد فيها ذلك الجمال الرشيق المتناسق الذي يتجلّىٰ في آثار اليونان وايطاليا، ولا الفخامة البربرية المتجلّية في أبنية الهند، ومع هذا فقد كان المنظر غريباً فريداً في بابه بالنسبة إليه 1، وكتب: «شاهدت احتفالات دينية في مناطق مختلفة، لكنّني لم أرَ مثل هذه المشاهد المهيبة والرائعة في أي مكان آخر» 2.
ويقول كذلك: «. . ويمكنني أن أقول حقّاً: إنّه من بين جميع الحجّاج الذين كانوا يتعلّقون بأستار الكعبة وهم يبكون، أو يضغطون بقلوبهم النابضة على الحجر، لم يكن هناك أحد في تلك اللحظة أشدّ شعوراً وأطغىٰ عاطفةً من (الحاج) القادم من بلاد الشمال، فقد بدا لي كأنّ أساطير العرب الشعرية جميعها كانت تنطق الصدق، وكأنّ أجنحة الملائكة الخفّاقة، وليس نسيم الصبح العذب، كانت هي التي تحرّك الكسوة السوداء التي تجلّل الكعبة المقدّسة.
لكنّني لابدّ لي من أن أعترف اعترافاً متواضعاً بأنّ عاطفة أولئك الحجّاج المتدفّقة كان مبعثها الحماسة الدينيّة، أمّا عاطفتي فقد كان مبعثها نشوة الكبرياء المطمئن» 3.
لقد كتب بورتون عن زيارته إلى المدينة ومكّة بتفصيل مسهب استغرق مجلّدين كبيرين، لكنّ الملاحظ أنّ المومىٰ إليه كتب عن جميع ما دوّنه سلفه بيركهارت، ولكن بطريقة مختلفة وتعليقات لا تشبه تعليقات بيركهارت في كثير من المناسبات. غير أنّ الوصف العام لا يختلف عند الاثنين اختلافاً جوهرياً 4؛ ولذلك نجد بورتون يشير إلى أنّه قد وصف ما رآه قدر الاستطاعة، ولكنّه اعترف أنّه لا يستطيع أن يصل إلى دقّة بيركهارت الذي يعترف بورتون أنّه مَدين له ليس بالشكر والامتنان فحسب، بل بالاقتباس عنه بصورة جلية واسعة واضحة! ، ولكن تعليقات بورتون على العموم كانت عملية واقعية 5.
فهو يقول: «وكان جمهور من الناس