248اليوم حتّى أهالي المدينة أنفسهم، وذكر أهمّها نقلاً عن أفواه الناس، بشيء من التفصيل، وفيما عدا هذه اُحصيت أسماء، أسماء فقط، أربعين مسجداً آخر. . 1.
على أنّ بورتون الذي استغرق في وصف أدقّ التفصيلات عن خصوصيات المدينة المنوّرة، لا يفوته تذكير القارئ أو الدوائر المعنيّة بمهمّته على السواء، بأنّ حجم المدينة أكبر بمرّة وثلث من حجم مدينة السويس، أو بقدر نصف حجم مكّة، وهي عبارة عن مكان مسوّر يؤلّف شكلاً بيضويّاً غير منتظم ولها أربع بوّابات. . وهناك بنايات ضخمة وأبراج مزدوجة متقاربة. . وفي داخل المدينة الظليل ترى الجنود يحرسون المدينة، وأصحاب الجمال يتشاجرون، وكثيراً من الرجال الذين لا عمل لهم يتسكّعون.
ثمّ يصف البنايات العامّة فيقول: إنّ هناك أربعة خانات كبيرة وبضع مقاهٍ صغيرة وحمّاماً ممتازاً، ويقدّر عدد السكّان ب (16) ألف نسمة. . . ويقول:
إنّ المدينة تشبه جبل طارق بالنسبة للبدو الوهابيّين 2.
وبعد أن اطلع على ما في المدينة وأماكنها المقدّسة، وانتهاء فترة الاستجمام والاسترخاء، تلك الأيّام التي اعتبرها أيّام راحة حقيقيّة، بالنسبة للأخطار القادمة التي كانت ماثلة أمام عينيه كلّ يوم، كان عليه أن يتوجّه مع موكب الحجّ الشامي إلى مكّة في يوم 31 آب 1853م 3، وهكذا بدأ يستعدّ للرحلة على عجل، وجمع مؤونة 15 يوماً له ولمرافقه محمّد، واستأجر من بدوي ناقتين ب (20) دولاراً. وكان أصدقاؤه نصحوه بأن يأكل مرّة كلّ 24 ساعة مع مرافقيه لكي «يبقىٰ في معدتهم ملح من عنده، فذلك قد يمنعهم من خيانته أو الغدر به» ! كانوا يسافرون في الليل، وفي إحدى المراحل ساروا من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وحتّى الحادية عشرة من صباح اليوم التالي 4.
بورتون في مكّة
في 11 أيلول (سبتمبر) 1853م، وصل بورتون إلى مكّة المكرّمة بعد رحلة متعبة حافلة بالمخاطر، ليستقرّ به