234الآتون من بريطانيا، والذين لم يكن لديهم أي مواهب أو مقدرة يرتقون في وظائفهم فوق رأس بورتون. أمّا بورتون فقد بدأ بالاهتمام بالثقافة، أو الثقافات الهندية. وقيل: إنّه انضمّ إلى البراهمة، لكن ربّما كان هذا الخبر لا يخلو من المبالغة. ونظراً لإجادته اللغة العربية والفارسية فمن المعقول والمقبول ظاهرياً أنّه قد انغمس في أساليب ومفاهيم أولئك الأساتذة المسلمين من الصوفية، فقد قيل: إنّه قد أصبح من «الدراويش» ، وإنّه أصبح «استاذاً» إذ ربما حدث ذلك، ولكن مدّة إقامته في الهند كانت قصيرة غير كافية لرجل أجنبي للارتفاع إلى المراتب العليا في المذاهب الدينية في نظام قاسٍ كالنظام الذي كان سائداً هناك، على حدّ تعبير بيتر برينث 1.
أمضى بورتون حوالى سبع سنوات من الإقامة في الهند، وقد خاض فيها تجربة خاصّة لا تخلو من غرابة وثراء واستحقاقات. ولمّا رأى أنّ كلّ طرق التقدّم في الهند قد سُدّت في وجهه طلب إجازة مرضية مطوّلة وعاد إلى أوروپا، حيث أمضىٰ أربع سنوات في الدراسة والكتابة 2.
ورغم أنّه عاد إلى بلاده مثقلاً بأوزار الفشل وقد أنهكه المرض والحمّىٰ. . غير أنّ حادثين حاسمين صادفاه في انگلترا وفرنسا بدّلا مجرىٰ حياته. ففي بولون قابل الفتاة ايزابل التي كان ينوي مؤجّلاً الزواج منها (ولكن تلك النيّة كانت حقيقة واقعة بالنسبة إليها) والأمر الثاني هو أنّه عرض نفسه للعمل مع الجمعية الجغرافية الملكيّة في لندن لاكتشاف ما وصفه ب «البقعة الشاسعة البيضاء في خرائطنا التي تدلّ إلى المناطق الشرقية والوسطىٰ في شبه الجزيرة العربية» وكانت خطّته تقضي بالنزول في مسقط وعبور الربع الخالي إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة.
كانت مسألة استكشاف المناطق البعيدة في منتصب القرن التاسع عشر، تثير الاهتمام بقدر ما يثير الاهتمام اليوم اكتشاف الفضاء الخارجي. ولم يكن العثور على مموّل لمشروع مفصّل ومدروس أمراً صعباً. وعندما تقدّم