230منها نظرات الإعجاب الرومانسي إلى الحدّ الذي يقف فيه كلامها كستار أو حاجز رقيق بيننا وبين أولئك المغامرين الذين دبّروا أمورهم، ودخلوا مكّة فعلاً منذ أيّام ثاريتما.
وفي هذه المقدّمة لا تدّعي كاتبتها أنّ رحلة زوجها كانت الرحلة الاُولى (فهي لا تستطيع ذلك ما دام أنّ بورتون نفسه يذكر الشيء الكثير عن رحلات الآخرين) ولكنّها تستعمل أسلوباً يشير ضمناً إلى ذلك. وهذا يقودنا إلى اعتبار عمل هذه السيّدة نوعاً من المغامرات لا يجرؤ كثير من الناس على القيام بها، حتّى إنّ القليل من الناس ينجحون في مثل هذه الأعمال، ولكن لا بأس أن نذكر أنّه حتّىٰ لو كانت لهجتها مضلّلة، إلّا أنّها لا تخلو من شيء من الصواب في آرائها 1.
ولعلّ النجاح المتميِّز الذي حقّقه بورتون في وصف رحلة الحجّ، هو الذي حفّز زوجته إلى المضي بعيداً في مضمار المباهاة. وإذا كان المستر بيركهارت لم يستطع في بعض الأحيان القيام بجميع مناسك الحجّ وتفاصيله على الوجه الأكمل، فقد استطاع السير ريتشارد بورتون أن يفعل ذلك بعده بأربعين سنة من دون أن يُكتشف أمره على الإطلاق. وكان الفضل في ذلك يعود إلى إتقانه التخفّي، بعد أن تعلّم العربية والفارسية والتركية، وأتقن تعلّم الفروض الدينية المعروفة عند المسلمين، وقد استعدّ لذلك قبل أن يقدم على رحلته الخطرة بأشهر عديدة، واتّخذ جميع التدابير اللازمة للقيام بمهمّته خير قيام، ومن جملة ذلك أنّه عمد إلى الاختتان وهو يومئذٍ في الثانية والثلاثين من عمره! وقد جرّب علاوة على ذلك تأثيرات الصبغات المختلفة في جلده ومظهره، وتعلّم التنعّل واستعمال الرمح وما أشبه 2.
ولذلك فإنّ المرء ليأخذه العجب حينما يطّلع على مغامرات بورتون، التي جعلت منه اُعجوبة من الأعاجيب، فقد كان يتقن لغات عدّة، بالإضافة إلى كثير من اللهجات المحلّية المعروفة في الشرق الأوسط والأقصىٰ. . وقد جعلت منه أخبار رحلاته ومغامراته رجلاً اسطورياً، وهو فوق هذا كاتب