225محاولين تسليط الضوء الكاشف على الجزء الطافي من مهمّاتهم المشبوهة.
* * *
(الحاج) بورتون!
صبيحة يوم الخامس والعشرين من تموز (يوليو) 1853م، وصل المدينة المنوّرة بريطاني متنكِّر باسم «الحاج عبداللّٰه» ؛ ليغدو أحد أبرز الرحّالة الأوروپيين الذين قاموا بمهمّتهم المناطة بهم خير قيام.
ولم يكن هذا (الحاج) سوى «السير ريتشارد فرنسيس بورتون» الموظّف في شركة الهند الشرقية المعروفة، وقد حظي «بورتون» من الشهرة الواسعة، بسبب مهمّته تلك، حتّى إنّ العديد من الأوساط قد أولته اهتماماً خاصّاً، إذ لم يُكتب عن أحد بقدر ما كُتب عن رحلة «بورتون» إلى جزيرة العرب 1.
هذا الاهتمام الخاصّ لم يولد من فراغ، كما لم يكن محض تقليد بريطاني إزاء رجالاتها المغامرين الكبار، بقدر ما يتعلّق الأمر بالديناميكية التي اتّسم بها بورتون. فليس هناك بين جميع الرحّالة الذين ذهبوا إلى الوطن العربي من هو أكثر نشاطاً أو أغزر قلماً من الرحالة الفيكتوري، في أواسط القرن التاسع عشر وريتشارد بورتون. ما من رحّالة في جزيرة العرب، باستثناء تي.
إس. لورنس، كتبت سيرة حياته مرّات أكثر منه، بل إنّ أوّل سيرة نُشرت عنه قبل عشر سنوات من وفاته. لقد رحل إلى افريقيا والهند وسوريا وشمال أفريقيا والبرازيل وجزيرة العرب التي ظلّت بين هذه جميعاً، كما قال هو نفسه:
«البلاد التي تولّعت بها» 2.
كتب بورتون تقريباً في كلّ المواضيع من تربية الصقور، إلى المناجم، إلى الآثار، إلى الطبّ، إلى الهندسة، إلى تسلّق الجبال إلى آخره. وكتب عن رحلاته في كلّ مكان من الأرض تقريباً، ووضع عن أفريقيا وحدها 13 كتاباً تقع في 4600 صفحة، غير أنّ الجزيرة العربية ورحلته إليها ظلّت، كما قال أفضل ما فعله في حياته 3.
وإذا كانت مقولة «المرء ابن بيئته» تحظىٰ بقدر كبير من المصداقية، فإنّ بورتون سيكون بالتأكيد ابن عصره الفيكتوري [ نسبة إلى عهد حكم ملكة