136الفاضل اللنكراني في كتاب الحجّ، فبعد أن يقول: لا خلاف بين المسلمين في وجوب السعي وكونه جزءاً من الحجّ والعمرة، يذكر قوله تعالى: إنّ الصفا والمروة من شعائر اللّٰه فمن حجّ أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطوّف بهما. . . ثمّ يقول: وظاهره الوجوب والجزئية، والتعبير بقوله: لا جناح إنّما هو كالتعبير بمثله قصر الصلاة فيالسفر 1، وهو ما ذهب إليه أيضاً صاحبكتاب الأمثل الشيخ مكارم الشيرازي في تفسير الآية 2، وصاحب براهين الحجّ، المدني الكاشاني 3وغيرهم.
المقطع الثالث
ومن تطوّع خيراً فإنّ اللّٰه شاكرٌ عليم
هذا المقطع يلقي ضوءاً على أهمّية هذا المنسك واهتمام السماء به، وجاء تأييداً للمقطعين الأوّل والثاني وتفريعاً عليهما، حيث إنّ الآية لم تكتفِ بما قدّمته في المقطعين من أنّه منسك وشعيرة إلٰهية ومن نفي الإثم عن أدائه ولو مع وجود الأسباب المذكورة عند القوم، راحت تقدّم عطاءً آخر للمؤمنين ترغيباً وتشجيعاً لهم للإكثار من هذا المنسك والاستزادة منه بعد أداء الواجب، فأجره عظيم وجزاؤه جليل، وكان التعبير عن هذا الأجر والجزاء بأنّ اللّٰه شاكر عليم. . فقد أطلق الشكر وأراد به الجزاء بطريق المجاز مبالغةً في الإحسان على العباد.
فإذا ما تظافرت هذه المقاطع الثلاثة يتّضح لنا شأن هذا المنسك وعلوّ قدره وأنّ وجود الأصنام أو عبادتها أو أنّه من شعائر الجاهلية أو لعزف الشياطين أو غيرها من الأسباب. . . لا يضرّ بأهمّيته وأنّه عبادة اختارتها السماء وليس للساعي في حجٍّ أو عمرةٍ إلّاإطلاق النيّة للّٰهتعالى. .
وختاماً فإنّ هذه الآية بمقاطعها الثلاثة ما جاءت لرفع وجوب السعي، أو تستبد له بالإستحباب أو بشيء آخر، وإنّماجاءت - إنلم نقل لإثبات وجوب السعي كما هو صريح بعض الروايات وأقوال جمع من الفقهاء - كما هو ظاهرها، إلىٰ توكيد هذه الشعيرة المقدّسة والدفاع عن وجوبها وأنّها جزء من مناسك الحجّ والعمرة.