75
كتاب (الولاية) وتهمة (التّشيّع) :
ذكر الذّهبيّ أنّ السبب وراء اتّهام الطبريّ بالتشيّع هو تأليفه كتاب (الولاية) ؛ 1وذلك لأنّ أصحاب الحديث لا يؤيّدون حديث (الغدير) ، وحتى الذين يقبلون هذا الحديث (من أصحاب الحديث) لم يُجيزوا لأحد على الإطلاق تأليف كتب في طرق الحديث المذكور حتّى للطبريّ الذي كان يومها إماماً وعَلَماً مرهوب الجانب، ذلك أنّ من شأن كتاب كهذا أن يكون حجّة في يد الشيعة. بل ولم يجرؤ حتى البخاري على ذكر حديث الغدير واكتفى بنقل الأحاديث الموجودة في حوزة أهل الحديث مع أنّ للحديث المذكور طرقاً كثيرة ومتعدّدة.
وإذا سلّطنا الضوء على الكتاب الآخر الذي ألّفه الطبري والمعروف بكتاب (حديث الطير) الذي بيّن فيه بالتّفصيل أفضلية الإمام علي عليه السلام على باقي الصحابة، ستتّضح لنا الأسباب التي حدت بالكثيرين إلى اتهامه بالتشيّع.
وقد قال ابن كثير واصفاً الكتاب المشار إليه: «ورأيت فيه مجلّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ» . ثم يستطرد قائلاً بأنّ أبا بكر الباقلاني ألّف كتاباً في تضعيف طرق ودلالات هذه الرواية وذلك في معرض ردّه على كتاب الطبريّ 2.
وبعد كلّ ما ذكرنا، تبدو المسألة واضحة المعالم تماماً؛ فلم يكن أمام أعداء الطبريّ خيار آخر إلّااللّجوء إلى اتهامه بالتشيع وخصوصاً في ظروف مثل تلك التي كانت سائدة في بغداد آنذاك حيث تتمركز قوّة الحنابلة وثِقلها الأكبر فيخرج عليهم الطبريّ بتأليفاته في (حديث الغدير) تارةً، وفي كتاباته التي يبيّن فيها فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام صراحة تارةً أخرى، علىٰ ذلك فلا بدّ وان يتّهم بالتشيّع.
وطريف هنا أن نذكر أنّ ابن خزيمة (المحدّث السنّي المعروف وأحد رجال الحديث المشهورين وهو من المشبّهة) نزيل نيسابور كتب يقول: «ما أعلمُ على أديم الأرض أعلمَ من محمّد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة» 3.