65التأليفات التي كتبها كلّ من جاء بعده.
وقد تطرّقنا إلى معتقدات الطبري الدينية في مكان آخر وذكرنا الظروف العقائدية الغريبة التي كانت سائدة في بغداد في تلك الحقبة من التاريخ والتي قادت الطبري يومئذ إلى مواجهة مباشرة مع الحنابلة والمتطرّفين 1. ويمكننا القول: إنّه ليس بمقدورنا الوقوف على الحافز الرئيس الذي دفع الطبري إلى تأليف كتاب (الولاية) والذي جمع فيه كلّ طرق الحديث الخاصة بحادثة الغدير، دون مطالعة تلك الكتابات ودراسة أبعادها. فقد كان حنابلة بغداد الذين ورثوا العداوة للإمام علي عليه السلام عن الأمويين ينكرون فضائله عليه السلام جهراً وعلانية، حتى بلغت تلك العداوة مبلغاً أثارت معها حفيظة ابن قُتيبة (العالم والمحدّث وهو من أهل السنّة) وأشعلت نار الغضب والسّخط في أعماقه 2. أضف إلى ذلك نظرة العثمانيين إلى الحديث والأخبار وانقيادهم الأعمى وراء بعض الأحاديث المختلقة والمنسوبة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ممّا تسبّبت في عدم إجازتهم علماء الإسلام، ولو للحظة واحدة، التخطّي عن ظهور تلك الأحاديث. وفي خضم تلك الأحداث انبرى الطبريّ الذي كان يرى في نفسه أنّه أعلى مرتبة من الجميع بما فيهم أحمد بن حنبل، انبرى للتصدي لتلك المجموعة وفي مختلف الصُّعُد كاسراً بذلك طوق الحصار الذي فرضته تلك العناصر.
وسنعالج لاحقاً السبب وراء تأليف الطبريّ كتاب (الولاية) . وأمّا ما نودّ التنويه إليه هنا هو أنّ مؤلف الكتاب المذكور - والذي فُقِدَت نُسخته الأصلية حسب ما لدينا من المعلومات - لا محالة هو محمد بن جرير الطبريّ المؤرّخ المشهور الذي ذاع صيته في بغداد. ولحسن الحظ توجد لدينا في هذا المجال مصادر قديمة يبدو أنّها دوّنت في الجيل الذي تلا الطبريّ وحتى القرن العاشر الهجري، وهي عبارة عن نصوص قيّمة تشير إلى ما نحن بصدده، وسنحاول التّعريف بها بعد حين.