6العلوم المعنوية والروحانية وسائر العلوم الإسلامية الأخرى ما لم يحظَ أحد غيره ولو بجزء ضئيل منها، كانت كل ملّة تصنّفه على أنه منها وأنه ينتمي إليها. فالأبطال والبواسل يعتبرونه منهم بطلاً مغواراً، والفلاسفة تعدّه واحداً منها، والعرفاء ينسبونه عليه السلام إليهم، والفقهاء يدّعون أنه ينتمي إلى مذهبهم، وهكذا الحال مع باقي الملل والنّحل الأخرى، والحق أن أمير المؤمنين عليه السلام هو واحد من كلّ تلك الطوائف وفرد من كلّ ملّة من تلكم الملل.
إنّ بعض كمالات أمير المؤمنين عليه السلام وصفاته المتميزة التي لا زالت غير معروفة للكثير يمكننا الاطّلاع عليها من خلال قراءة لبعض أدعيته عليه السلام المأثورة. فدعاء كميل هو أحد تلك الأدعية العجيبة، وأقول عجيبة لأن بعض الفقرات الواردة فيه لا يمكن أن تكون صادرة من إنسان عادي على الإطلاق. فلاحظ مثلاً عبارة: «إلهي وسيدي ومولاي وربي هبني صبرتُ على عذابك فكيف أصبر على فراقك؟» ؛ مَن مِن البشر له القدرة على التفوّه بمثل هذا الكلام؟ مَن مِنّا يحبّ اللّٰه تعالىٰ بهذه الكيفيّة كما يحبّه عليّ عليه السلام؟ فهو يصرّح بأنه لا يخاف من جهنّم ولا يخشى نارها، بل إن جلّ ما يخشاه هو أن يؤدي دخوله إلى جهنم إلى إنزال مرتبته ومكانته بحيث يكون ذلك سبباً في حرمانه من حبّ اللّٰه تعالىٰ والقرب منه. إنه عليه السلام ينوح بسبب فراقه عن بارئه واحتمال ابتعاده عنه سبحانه. وليس لنا والحال هذه أن نتعجب أو نشك في أن أعماله وأفعاله وكل تصرفاته نابعة من صميم حبّه للّٰه عزّوجلّ، ذلك الحبّ الذي ملك زمام قلبه، وسيطر على كيانه وهيكله في كلّ مكان وزمان. إن المعيار الذي يعتمده الإمام علي عليه السلام هو حبّه للّٰهسبحانه والفناء في ذلك الحبّ من أجله تعالىٰ، وهو ما صرّح به الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله حينما قال: «ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» . . .