51فهل كان عليّ لا يُحسن شيئاً من هذا الأمر، أو كان من غير الموثوق بهم، أو ممّن لا يصحّ استشارتهم أو إشراكهم في هذا الأمر؟ !
اللّهم إنّ العقل والمنطق ليقضيان بأن يكون عليّ أوّل من يعهد إليه بهذا الأمر، وأعظم من يشارك فيه، وذلك بما أُتيح له من صفات ومزايا لم تتهيّأ لغيره من بين الصحابة جميعاً، فقد ربّاه النبي صلى الله عليه و آله على عينه، وعاش زمناً طويلاً تحت كنفه، وشهد الوحي من أوّل نزوله إلى يوم انقطاعه، بحيث لم يند عنه آية من آياته! ! فإذا لم يدع إلى هذا الأمر الخطير فإلى أيّ شيء يدعى؟ !
وإذا كانوا قد انتحلوا معاذير ليسوغوا بها تخطيهم إيّاه في أمر خلافة أبي بكر، فلم يسألوه عنها ولم يستشيروه فيها؛ فبأي شيء يعتذرون من عدم دعوته لأمر كتابة القرآن؟
فبماذا نعلّل ذلك؟ وبماذا يحكم القاضي العادل فيه؟
حقّاً إنّ الأمر لعجيب، وما علينا إلّاأن نقول كلمةً لا نملك غيرها وهي:
لك اللّٰه يا عليّ! ما أنصفوك في شيء! 1فتحي يكن في رحاب نهج البلاغة:
يصعب جدّاً الإحاطة بما تضمّنه كتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب كرّم اللّٰه وجهه ورضي اللّٰه عنه وأرضاه، من موضوعات تتعلّق بمختلف شؤون الحياة، سابرة أغوارها، مستكشفة أبعادها، مقدمة المواعظ والعبر والدروس والحكم النافعة الجليلة من خلالها.
سأتناول من (نهج البلاغة) سفراً من أسفاره، وقبساً من قبساته، والذي يلفت فيه ببلاغة العالم، وعلم الرسالي، وإحاطة الداعية، وسرّ نجاح وفلاح الإمام حيث يقول: «من نصب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، ومعلم نفسه ومهذّبها أحقّ بالإجلال من معلم الناس ومهذّبهم» .