50وأمّا أبو طالب فقد كان أكثر توفيقاً حين اختار. رأى وليده قد علا شرفاً بمكان مولده كما علا من قبل بأصله الرفيع فقال:
«بل علي» .
وبدأت عند هذا حياة الرجل الذي ساير أخطر الأحداث في هذه الدنيا، وعاشر أطهر الخلق وسيّد النبيّين، واحتمل نصيبه من عبء كبير ألقاه اللّٰه على مختاره الأمين، الذي خصّه بوحيه ورسالته الإلهية لهداية العالم.
وعاش عليّ عمره لغيره من المثل ومن الرجال، فكان في صباه القريب المفتدي، وفي شبابه الصديق المقتدي بالنبي الكريم، وبين هذا وذاك من أطوار العمر وما جاء في أعقابها من فترات، التزم غايات الكمال في الفِعال والخِلال، فلمّا انطوى بعض أجله، ومضى من الدنيا وعن هاديه، كان المعقب له وقد ذهب العقب. وأجل من أخذ عنه فأجاد، وركب جادته فما حاد.
محمود أبو ريّه
عليٌّ أوّل من أسلم وتربّى في حجر النبي وعاش تحت كنفه من قبل البعثة وظلّ معه إلى أن انتقل النبيّ إلى الرفيق الأعلى، لم يفارقه لا في سفر ولا في حضر، وهو ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة الزهراء، شهد المشاهد كلّها سوى تبوك، فقد استخلفه النبيّ صلى الله عليه و آله فيها على المدينة فقال: يا رسول اللّٰه، أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبيّ بعدي؟» .
هذا الإمام الذي لا يكاد يضارعه أحد من الصحابة جميعاً في العلم. . .
ثمّ واصل أبورية حديثه تحت عنوان: غريبة توجب الحيرة:
من أغرب الأمور، وممّا يدعو إلى الحيرة أنّهم لم يذكروا اسم عليّ رضى الله عنه فيمن عهد إليهم بجمع القرآن وكتابته، لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان! ويذكرون غيره ممّن هم أقلّ منه درجة في العلم والفقه!