32العبادة عنده عليه السلام تحمّل لأمانة السماء، ومسؤولية كبرى أمام اللّٰه سبحانه وتعالى من جهة وإزاء المجتمع من جهة اُخرىٰ.
إذن فهي ليست عبارات جوفاء ومفردات لا معنى لها و حركات منتظمة وحسب.
هكذا يؤدّي عليّ عليه السلام عبادته بخشوع عظيم وبصوت حزين ونغمة شجيّ.
فيما رواه عروة بن الزبير: كنّا جلوساً في مسجد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فتذاكرنا أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أُخبركم بأقلّ القوم مالاً وأكثرهم ورعاً وأشدّهم اجتهاداً في العبادة؟
قالوا: مَنْ هو؟
قال: علي بن أبي طالب.
قال: فواللّٰه لقد رأيت كلّ من كان في المجلس إلّاأعرض بوجهه عنّي. فقال: يا عَوَيمر لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد مذ أتيت بها.
فقال أبو الدرداء: يا قوم إنّي قائل ما رأيته. وليقلّ كلّ قوم ما رأى. شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام بسويحات بني النجار، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممّن يليه، واستتر ببعيلات النخل فافتقدته وبَعُدَ عليّ مكانه، فقلت لحق بمنزله. فإذا بصوت حزين، ونغمة شجي وهو يقول:
«إلٰهي كم من موبقة حملتُها فقابلتَها بنعمتك. وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك. إلٰهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا بغير غفرانك طامع، ولا أنا براجٍ غير رضوانك» .
فشغلني الصوت واقتفيت الأثر. فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعينه.
فاستترت له لأسمع كلامه، فركع ركعات في جوف الليل، ثمّ فزع إلى الدعاء والتضرّع والبكاء والبثّ والشكوىٰ. فكان ممّا ناجىٰ به اللّٰه أن قال:
«إلٰهي أُفكّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثمّ أذكر العظيم من أخذك، فتعظم