303ولكنه عليّ المعروف بفنائه بالحقّ، ومعاداته لأهل الباطل، وهو القائل: ما ترك لي الحقّ صاحباً. فبينا ترى بعض الصحابة يخاف على أهله لتصور شيطاني، أو يخاف على مستقبل وضعه لظنه أو احتماله غلبة قريش، فإذا به يفشي الأسرار العسكرية، أو يتراجع حين البأس ويفرّ من المعركة، أما علي هو هو في المسجد والمحراب وفي المعركة والمواقف مع الأهل والأخت والبنت والأولاد على حدّ سواء، لا يقدم على الحقّ أحداً.
الدور الخامس:
بعدما لوت مكة جيدها، وأذعنت لبيرق النبوة، وتحولت الىٰ سلطة الرسول صلى الله عليه و آله، ودخل الناس في دين اللّٰه أفواجاً حيث خرجت الرجال من مخابئها، وأسلمت وخرجت النساء من خدورهن واسلمن، وانضوى الناس في ظل الرسالة الإسلامية، وعادت مكة الىٰ دورتها الأولى يوم خلق اللّٰه السماوات والأرض، وعاد البلد الحرام حيث يحرم فيها سفك الدماء، وأصبحت واحة الأمان والراحة والاطمئنان، دخل النبي صلى الله عليه و آله فاتحاً لا كما يدخل الفاتحون عنوةً بل كما يدخل الرسل المتواضعون ذاكراً ربّه، ناظراً الى قربوس فرسه، لم يدخل مستعلياً ولا مستكبراً وإنما دخل ذاكراً شاكراً مسبحاً مستغفراً.
وبما أن مكةَ المكرمة كانت مجمع عبادة العرب، ومركز التجمع الصنمي أيضاً، وكان الغرض الأساس من الحرب الفكرية والنفسية والمادية إزالة دولة الصنمية، وتأسيس دولة الإله الواحد الحقّ مكانها، كان لابد من تركيز الألوهية في أذهان الناس، وتحطيم المظاهر الصنمية وقلعها من الأذهان، وتحطيم كل المظاهر الصنمية الموجودة في الكعبة وفي جوارها. قال الإمام الرضا عليه السلام - كما في البحار - وكانت ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة عندما فتح النبيّ صلى الله عليه و آله مكة فمر بها وجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول: جاء الحقُّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فجعلت تكب لوجهها 1. وفي رواية ابن شهر آشوب: إن الإمام علياً عليه السلام صعد على أكتاف