298لكذب رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله الذي لا ينطق عن الهوى، ولكان يعني أن تفشى الأسرار العسكرية الى الأعداء فيعرفون خطط الهجوم فيفشل.
ولكن اليقين الثابت في صدر علي بصدق رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله هو الذي جعله يقف موقفاً مميزاً وحاداً، وأنه غير مستعد لسماع كلامها، وقبول أي موقف آخر منها؛ لأنه على يقين بأن الكتاب معها. أخبره بذلك من لا ينطق إلا عن وحي يوحي به إلٰه السماء والأرض، والمطلع على خفايا الأمور وظواهرها.
وعليّ هو الحريص كلّ الحرص أن يبقى للجيش الفاتح هيبته حينما يباغت الآخرين، ويغزوهم في عقر دارهم لتنهى معركة الفتح دون إراقة دماء. وهيهات هيهات أنى لنا بمثل عليّ وهو النسخة الفريدة والشخصية الوحيدة في عالم اليقين والصدق والاخلاص.
الدور الثالث:
بعدما عثر الإمام علي عليه السلام على الكتاب مع المرأة التي لا تعرف من مضمونه شيئاً، أعمى الأمر على قريش، فلم تعرف شيئاً عن استعداد الرسول صلى الله عليه و آله لفتح مكة، وكان النبي صلى الله عليه و آله قد دعا ربّه أن يعمي أخبار جيشه عن قريش حتى يباغتها كي لا تقع معركة طاحنة في مكة. فالنبي صلى الله عليه و آله يريد الحفاظ على شرف الحرم، وإن كان أهله يستحقون الذبح، لمعاداتهم الشديدة لرسول الهداية، ولكنه محمدٌ رسولُ الإنسانية، المحافظ على القيم. فقد هيأ النبيّ صلى الله عليه و آله كلّ مقدمات المعركة، وأمر الجيوش بالزحف الهادئ، واستمر حتى وصل الىٰ مر الظهران - وقيل إنه بالجحفة - وهناك أمر الجيش بالنزول، وكان الوقت عشياً فطلب من الناس أن يوقدوا النار، كلّ واحد يشعل ناراً، وكان الغرض من هذا اظهار عظمة الجيش، وقوة العسكر بهذه النار التي ترى من بعيد، حتى تأخذهم الدهشة ولا يفكرون إلا بحماية أنفسهم إما بالإسلام أو بالهروب من المواجهة، ويكون بهذا قد حقّق الفتح الهادئ الذي يحافظ فيه على شرف الكعبة.