23ملكوت السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما. . وكان هذا بعد عام الفيل بثلاثين سنة، حقّاً أنّه أمر يثير العجب، أن السماء راحت تعدّ أمرين في آنٍ واحد ووظيفتين في وقت واحد؛ ففي غار حراء على بعد من الحرم المكّي أعدّت رسولاً نبيّاً، وفي داخل الحرم المكي راحت تعدّ إماماً ووزيراً وخليلاً وفيّاً؛ ليكمل الشوط ويملأ الفراغ «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبي بعدي أو لا نبوّة بعدي» «أنت أخي ووصيي وخليفتي. . .» .
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه القيم لنهج البلاغة في قوله عليه السلام: «فإنّي ولدتُ على الفطرة» وفي جوابه عن قول من يقول: كيف علّل نهيه عن البراءة منه عليه السلام، بقوله: «فإنّي ولدتُ على الفطرة) ؛ فإنّ هذا التعليل لا يختص به عليه السلام؛ لأنّ كلّ أحد (واحد) يولد على الفطرة، قال النبي صلى الله عليه و آله: «كلّ مولود يولد على الفطرة؛ وإنّما أبواه يهودانه وينصّرانه» ؟
فكان أحد أجوبته الثلاثة: بأنّه عليه السلام علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع اُمور وعلل وهي كونه ولد على الفطرة، وكونه سبق إلى الإيمان والهجرة، ولم يعلّل بآحاد هذا المجموع، ومراده هاهنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية؛ لأنّه ولد عليه السلام لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل، والنبي صلى الله عليه و آله أرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل؛ وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه و آله مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء، ولا يخاطبه أحد، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته عليه السلام فحُكم تلك السنين العشر حكم أيّام رسالته صلى الله عليه و آله فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيّامٍ كأيّام النبوّة، وليس بمولود في جاهلية محضة، ففارقت حاله حال من يدّعي له من الصحابة مماثلته في الفضل.
وقد روي أنّ السنة التي ولد فيها عليٌّ عليه السلام هي السنة التي بدئ فيها برسالة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وكشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب فيها بشيء. وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها