56كان يعطي الغلبة للمسائل السياسية في الحج. وأنا إنّما أطرح هذا الادّعاء بناءً علىٰ ما كنت أستوحيه من كلامه قبل الثورة. فأنا أتذكّر بأننا حينما كُنّا نتحدّث عن الحج في مجالسه آنذاك، ما كان يرضىٰ لنا بأن نعطي الحج نشاطاً سياسياً واسعاً بحيث يطغىٰ على المسائل العبادية.
ولا زال يحضرني أنّ سماحته كان يؤكّد علىٰ هذا الحديث، وهو أن الحاج يصبح بعد الطواف وكأنّه قد وُلِد من جديد. إذاً أقلّ ما ينبغي استحصاله من الحج هو أن يتطهّر الحاج ممّا لحق به من دنسٍ في الماضي، وعند العودة إلى وطنه يبدأ حياته من جديد بتلك الطهارة التي ولدته عليها أُمُّه.
أمّا بالنسبة إلى الأُفق السياسي في الحج فينبغي القول: إنّ الإمام الخميني قد أحيا هذا الجانب الذي كان متروكاً. وممّا يسترعي الانتباه هو أن هذا البُعد قد دخل في فلسفة الحج كحكم ديني وليس بالضرورة كنظرية سياسية. والحج الحقيقي كان مقروناً بالسياسة منذ بدايته، غير أن هذا الجانب قد أُهمل منذ مدّة مديدة، وبقي البُعد السياسي للحج يجري علىٰ نحو غير رسمي، ويقتصر مجاله علىٰ عدد محدود من القوى الثورية والجماعات المجاهدة. بيد أن هذا النوع من النظرة إلى الحج لم تكن شائعة بين عموم الناس. ولم يكن اتخاذ الحج كأرضية للعمل السياسي أمراً مقبولاً لدى الحكومات. وما كانت الحكومات ترجو من الحجاج الذين تبعثهم لزيارة بيت اللّٰه سوى الاكتفاء بالمسائل العبادية للحج.
وأنا أظنّ أن هذا التغيير الذي حصل في نظرة الحكومات إلى فلسفة الحج كان من ابتكار الإمام الخميني، ولكن كان له وجود سابق لدى الأحزاب والتيارات والحركات السياسية التي كانت تستفيد من الحج لأهدافها بسبب ما فيه من حشد جماهيري غفير.
ولمّا كان الإمام الخميني إلىٰ جانب قيادته، مرجعاً للتقليد، فقد نفذ