27النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم:
« من حبس نفسه في صلاة فريضة فأتمَّ ركوعها وسجودها وخشوعها ثمّ مجّد اللّٰه عزّ وجلّ، وعظّمه، وحمده، حتّىٰ يدخل وقت صلاة أُخرىٰ لم يلغ بينهما، كتب اللّٰه له كأجر الحاجّ المعتمر، وكان من أهل عِلِّيّين» 1.
فالصلاة من أجلىٰ مصاديق تجسيد العبودية المتمحّضة للمولىٰ جلّ وعلا، فكلّ فِعل من أفعال الصلاة يعطي معنًى من معاني العبوديّة، فالسجود من أعظم مراتب الخضوع وأحسن درجات الخشوع والاستكانة، والركوع يُظهر تواضع العبد واعترافه بعلوّ مرتبة ربّه، والقيام أيضاً يذكّر بالقيام بين يدَي اللّٰه عزّ وجلّ، وأنّه أمام مَلِك جبّار.
وكذا الحال في التوجّه إلى القِبلة، فإنّه في الحقيقة توجّه إلى اللّٰه عزّوجل، فلا بُدّ أن يكون العبد متأدبّاً أمامه؛ لأنّ التوجّه بالبدن يهيّئ القلبَ إلى الانقطاع للّٰه تعالىٰ، لأنّا إنْ لم نتوجّه بقلوبنا وأبداننا يصرف اللّٰه وجه رحمته عنّا.
ويؤيّده قول الصادق عليه السلام: « إذا استقبلت القبلة فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كلّ شاغل يشغلك عن اللّٰه تعالىٰ، وعاين بسرّك عظمة اللّٰه تعالىٰ، واذكر وقوفك بين يديه هُنَالِكَ تَبْلُوا كلّ نفس ما أسلفت ورُدّوا إلى اللّٰه مولاهم الحقّ 2، وقف علىٰ قدم الخوف والرجاء» 3.
ثمّ إنّه وقع الخلاف بين علماء الإسلام في كيفية التوجّه إلى القِبلة من بعيد، وفي العلامات المؤدّية إلىٰ جهتها.
فهذه الرسالة معقودة لبيان هذا الغرض المهمّ.
وفي كلّ حقبة من الزمن تبرز شخصيّات فذّة عظيمة الشأن يشار إليها بالبَنان، قد تجلّت فيها المواهب الحميدة، والطبائع الكريمة، والهمم العالية، والنفوس الزاكية، فعاشت برهة من الزمن وغابت أشخاصها عنّا، إلّاأنّها لا زالت تعيش في قلوبنا وأفكارنا، في محافلنا وأقلامنا العلمية، بل في كلّ كتاب