217ملئت قلوبهم غيظاً وضيقاً على أفعال الخليفة - يميلون الى تأييد أبو ذر في مساعيه وجهوده من أجل إيقاف هذا الانحراف أو الحد منه، وبدلاً من أن يتعظ الخليفة بذلك، أخذته العزّة بنفسه مؤيداً من قبل المستفيدين، فقد أصدر أمره بإبعاد الصحابي الجليل أبو ذر عن المدينة الى الشام، وكان ذلك سنة تسع وعشرين للهجرة، وفعلاً التحق أبو ذر بالشام، وهناك راح ينكر على معاوية اُموراً كثيرة وانحرافات خطيرة، فما كان من معاوية إلّاأن يرسل له ثلاثمائة دينار كي يستميله الى جانبه أو على الأقل يخرس صوته. . .
فقال له أبو ذر: إن كان من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها.
ولما رأى قصر الخضراء الذي بناه معاوية بدمشق، لم يلذ أبوذر بالسكوت بل أعلنها واضحة جلية أمام معاوية: يا معاوية! إن كانت هذه الدار من مال اللّٰه فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف.
فلم يحر معاوية جواباً بل لاذ بالسكوت منتظراً نزول الظلام، فبعث اليه بألف دينار. فما كان من أبي ذر إلّاأن أنفقها في سبيل اللّٰه.
ولما صلى معاوية صلاة الصبح، دعا رسوله، فقال: اذهب الى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية، فإني أخطأتُ.
قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: واللّٰه ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن انظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك.
فلما رأى معاوية أن قوله صدّق فعلَه؛ كتب الى عثمان: أما بعد؛ فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله، فابعث الى أبي ذر فإنه وغّل صدور الناس. . . 1فما كان من عثمان إلا أن كتب الى معاوية: أما بعد، فاحمل جندباً على أغلظ مركب وأوعره.
فوجه معاوية مَن سار به الليل والنهار 2وكان ذلك سنة ثلاثين بعد أن