47ويتمنّى للحجّاج المهاجرين الوصول إلى «الوفاة التي تعقب الهجرة، لينالوا ما وقع على اللّٰه من أجر» .
وهذه إشارة واضحة إلى آية الهجرة: ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّٰه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّٰه .
وآية الهجرة هذه طالما ركّز عليها الإمام في خطاباته ورسائله وكتبه إلى درجةٍ تكاد تكون في المقام الثاني بعد آية القيام، ذلك لأنه يؤمن إيماناً عميقاً بأنّ وصول السالك إلى مرحلة الفناء التام، والمحو المطلق، ثمّ الصحو بعد المحو، هو الذي يجعله ذا إرادة نافذة للحق تعالى، حينما يزول غبار الكثرة، وتتكسّر أصنام كعبة القلب، وما لم تتكسّر تلك الأصنام لا يمكن للإنسان أن يسعى في تكسير الأصنام الاُخرى الحجرية أو البشرية المتمثِّلة بالطاغوت السياسي - الاجتماعي.
من هذا المنطلق يؤكّد الإمام على حقيقة بعثة الأنبياء والمرسلين، والمقصد الأساس وراء إنزال الكتب السماوية، قائلاً:
«لقد بعث الأنبياء كافّة، وأنزلت الكتب السماوية كافة، من أجل إخراج الإنسان من معبد الأصنام هذا - (الأنانية التي هي اُمّ الأوثان) - وتحطيمها، وتحويله إلى عابد للّٰه» ، وعندما يخرج الإنسان من ظلمات الأنانية «يصبح عاملاً للّٰه، مقاتلاً في سبيل اللّٰه» .
من هذا المنطلق - أيضاً - يخاطب الإمام حجّاج بيت اللّٰه قائلاً:
«ما دمتم مكبّلين بأغلال ذاتياتكم وأهوائكم وأنانياتكم لا تستطيعون الجهاد في سبيل اللّٰه، ولا الدفاع عن حريم اللّٰه» .
«ولو تحقّق في الإنسان هذا الجانب العرفاني والمعنوي وحده، واقترنت التلبية - (لبّيك اللهمّ لبّيك) - صدقاً بنداء اللّٰه تعالى، فإنّ الإنسان سيحقّق الانتصار في جميع الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية، وحتّى العسكرية.
وإنّ مثل هذا الإنسان لا يفهم معنى الهزيمة والفشل» .