164وهدفاً ومنهجاً. . فاللّٰه الواحد الأحد الذي خلق وأبدع هذا الكون، وقدّر ما فيه وما حوله وفق أنظمة دقيقة ما إن يختلّ جزء منها حتى يترك آثاره على باقي الأجزاء. إنه - حقّاً - جسم واحد يكمل بعضه بعضاً، ويتضرّر بعضه ببعض. . .
ثمّ خلق فيه نواة تطوره وديمومته بل وسيده آدم وزوجه من نفس واحدة هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وجعل منها زوجها . كان حفنة واحدة من تراب نفخ اللّٰه فيها من روحه فتمثّل بشراً سوياً. فقدّر لهذا المخلوق أن يكون سيّد الكائنات والمخلوقات بما أودعه اللّٰه فيه من جمالٍ وجلالٍ وقدرةٍ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وبما أهّله لأن يكون خليفة اللّٰه تعالى في أرضه وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة. . ثم وضعت السماء بعد ذلك أمانتها في عنقه، بعد أن امتنعت عن حملها السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها: إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان. . .
نعم حملها مختاراً طواعيةً لا كرهاً، وثقةً منه بما أودعه اللّٰه تعالى فيه من قدرات، وشعوراً بتكليفه ومسؤوليته؛ ليبدأ مشواره من اللّٰه تعالى، مستمدّاً منه العزم والقوّة؛ لينتهي إلى اللّٰه تعالى أيضاً فيجد حسابه وينال ثوابه، ويحصد ثمار أعماله وكدحه يا أيّها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربّك كدحاً فملاقيه .
وفي كلّ خطوة يخطوها في مشواره ذاك ينظر نظرتين: نظرة إلى السماء يسأل رحمتها وتسديدها له وهو يردّد: إنّا للّٰهوإنّا إليه راجعون، إنّا للّٰهبدءُنا وإنّا للّٰهحياتنا وديمومتنا، وإنّا للّٰهمآبنا، وإنا للّٰهمنتهانا. فهو بدون هذه النظرة لا يستطيع فعل شيء. وما بين البداية تلك والنهاية هذه ما بين أوّل الشوط وآخره راحت منطلقةً بكلّ وعي وصدق قوافلُ المجاهدين الصابرين؛ لتؤدي دورها العبادي بمعناه الأشمل والأتمّ، الذي أرادته السماء ورسمته ريشتها لبني البشر وما خلقت الجن والإنس إلّاليعبدون ليعبدون ربّاً واحداً، عبر عمل دؤوب ونشاط متواصل