102حين - بشرط أن لا يترتب علىٰ هذا تفويت للغرض - فقد امتثل واستحق الأجر والرضا. وإذا قال له: اِفعل كذا، فلم يفعل في زمن يتناسب وذلك الأمر وهدفه ولغته ولحنها كان للمولىٰ أن يقول له: لِم لم تفعل؟ وكان له الحقّ في تقريعه بل وفي عقوبته؛ لأن عدم فعل العبد وعدم امتثاله يسبب - قطعاً - تفويتاً لمراد المولىٰ وتضييعاً للملاك أو للمصلحة.
ثم إنّ العرف يميز بين أوامر تتطلب الإسراع والتعجيل في امتثالها وإلّا يفوت الغرض منها، وبين أوامر يحتاج امتثالها إلى التأخير وقتاً ما لإعداد المقدمات التي يكتمل بها ذلك الامتثال، فالأول مثل قول السيد لعبده: اسقني الماء. كان المراد به الفور بقرينة أنطلب الشرب عادةً - والعادة حاكمة - عند الحاجة إلى الماء. والثاني مثلقول السيد لعبده: سافر إلى المكان الفلاني، فلابدّ - كي يتم السفر - من تهيئةلوازمه. . فالأوامر - إذن - تختلف من حيث لغتها ولحنها وغرضها. . .
و بالتالي تحتاج إلىٰ وقت - قد يطول وقد يقصر - لتنفيذها.
فالصحيح - إذن - أن كلاًّ من الفور والتراخي يبنى على المتعارف، ولا يصح التأخير الذي يدخل تحت الإمال وقلة الاعتناء، كما يصح مع عدم القرينة على الفور.
تحرير محلّ النزاع
ثمّ إن هذه الفورية وهذا التراخي، وكون الفعل يدلّ علىٰ أي منهما أو لا يدل. . وقع النزاع فيه بين الأصوليين من الفريقين قديماً وحديثاً علىٰ مذاهب يمكن حصرها في ثلاثة، وكلُّ فريق أو مذهب جاء بأدلته علىٰ مختاره، نأتي علىٰ ذكر ما تيسّر لنا منها بشكل مختصر؛ لنصل إلىٰ أحد منا شئ أو آثار هذه النزاع، وهو أداء فريضة الحج، يقول الدكتور الزحيلي: ومنشأ الخلاف كلامهم في الحج، هل هو على الفور أو التراخي؟ وكذا غيره. . 1وقبل التعرض لذلك لابدّ لنا من أن نحرّر محلّ النزاع أولاً بمقدمات، فنقول: