242غضبه وسخطه، فقام بإرسال مبعوث آخر يُدعىٰ هاشم شريف الى القاهرة حَمّله رسالة تهديدية لملك مصر. فوصل هاشم شريف القاهرة يوم الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك من تلك السنة. وخَلَتْ رسالة شاهرخ من البسملة والختم المعهود، والتي دَلَّت علىٰ مدىٰ غضب ملك الشرق (سلطان خراسان) واستيائه.
وابتدأت الرسالة بالآيات الشريفة من سورة الفيل: ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل. . . ولم يذكر شاهرخ أيّ لقب رسميّ أو غير رسميّ، وكانت الرّسالة على العموم تنمُّ عن تهديد ووعيد لملك مصر. وعلىٰ قول المقريزي كانت الرسالة مدوّية كالرّعد وقوية كالصاعقة. وكان شاهرخ، مع كلّ ذلك، قد أرسل بهدية الىٰ حاكم مصر ذكرها صاحب «بدائع الزهور» باسم «الهدية الغشروية» .
إلّا أنّ الملك الأشرف لم يخضع لرسالة شاهرخ ولا تهديدها، بل بعث جواباً عليها لا تقلّ شدة في اللّهجة عن تلك التي أرسلها شاهرخ، وعلىٰ رأي ابن أياس «من دقَّ الباب سمع الجواب» . هذا وتكررت رسائل العتاب والمعاتبة، التي بعث بها شاهرخ إلّاأنّه لم يَلْق النتيجة المرجوّة. وكتب ابن تغري بردي - الذي تنمّ كتاباته عن آثار ومواطن كثيرة ترمز الى العنصرية واللّون - فيما يتعلّق بمسألة العِناد، الذي أبداه الملك الأشرف ورفضه مقترح شاهرخ: لقد كان صمود وثبات الملك الأشرف إزاء مرامات شاهرخ ومطالِبهِ - وذلك بعد فتح قبرص - أهم ما قامَ به الملك الأشرف طول سنيّ حكمه.
وكتب أيضاً: إنَّ الملك الأشرف باحتكاره مسألة إكساء الكعبة بحلّتها قد حفظ لمصر هيبتها وحرمتها، ولحكام مصر شأنهم ومنزلتهم الىٰ يوم القيامة. ولا جرم أنَّ ما دُوِّنَ من قِبَلِ مؤرخين مصريين في هذا الشأن يدلُّ بوضوح علىٰ أنّ ابن تغري بردي كان يُبالغ في كتاباته ويشطط فيها، وأنّه كان من المتملقين لحكام مصر، ويبدو من فحوى الرسالة التي بعث بها شاهرخ الى الملك الأشرف فيما بعد أنَّ شاهرخ يقوم بطمأنة الملك الأشرف علىٰ وصول هداياه.