228نعم فإن الجنة حفّت بالمكاره كما أن النار تكتنفها الشهوات، فالوصول إلى حضرة الباري لا يكون بالتنزة والرفاهية ولابدّ من ارتكاب الصعاب، وتحمل الأذىٰ والمشقات، والمعاناة في النفس والمال، وتجشم المخاطر في كلّ منسك، وتحمل العنف في كلّ حركة.
فأعمال الحج هي سامقة صعبة، ولكنها لذيذة الطعم طيبة المذاق، لمن جاس تلك الديار.
ولإنها بعيدة تماماً عن الملذات والشهوات والطيبات، فهي لا تتأتى إلّا عن باعث العمل للامتثال والانقياد لأوامر اللّٰه تعالى، ومن أجل هذا كان النفع عظيماً، والتجارة رابحة، والصفقة ناجزة يقول علي عليه السلام: «واختار من خلقه سمّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدّقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته» وعن الصادق عليه السلام «الحاج ثلاث أصناف صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه، وصنف يحفظ في أهله وماله وهو أدنى ما يرجع به الحاج» . هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو مؤتمر مجمعي سنوي يتلاقى المسلمون فيه من شتى أصقاع الأرض عربيهم وأعجميهم وأبيضهم وأسودهم، فقيرهم وغنيهم، عالمهم وجاهلهم، رئيسهم ومرؤسهم فتتلاقح المعارف والآداب والقيم والتراث، وتبث الشكوى والأحزان والأفراح، وهنا فالغني يخشع، والفقير يتحمل، والعالم ينصح بعلمه، والجاهل يتعلم، والجميع في موكب النور إلى عطاءات السّماء، وذكر اللّٰه على كلّ حال عند أحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، جعلها اللّٰه بيته الحرام للناس قياماً بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل الدنياً مدراً، وأضيق بطون الأرض قطراً بين جبال خشنة، ورمال رمثة، وعيون وشلة، وأخرى منقطعة لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف.
* لئن تظافرت أيدي أنبياء (إبراهيم وإسماعيل. . . ورسول اللّٰه محمد صلى الله عليه و آله) فجعلت مكّة بلداً آمناً وحرماً مقدساً يؤتى إليه من كلّ فجّ