179هذه الأيدي لم ترع للبيت حرمة ولا كرامة، وتغافلت عن تكريم اللّٰه تعالىٰ له بجعل نعمة الأمان آية من آياته، وهبة من مواهبه لعباده، أن جعل قطعة من الأرض تشعر فيها النفوس بحلاوة الأمن والطمأنينة بعد أن عانت من فقدان الأمن، وهي تعيش بعيداً عنه تحت سوط الطغاة والجلادين والغزو والقتال أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم 1.
فالأمن إذن لم يعد بعد تلك الجرائم والاعتداءات صفة للبيت، ممّا جعلنا نتساءَل هل حوداث الاعتداء هذه علىٰ بيت اللّٰه الحرام، وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة علىٰ أرضه المقدّسة وعلىٰ ترابه الطاهر تتعارض مع نصوص الأمن القرآنية، وبالتالي تزعزع صفة البيت الآمن الذي حدّدته الآيات الكريمة؟
إن ظاهر هذا كلّه يفيد أنّ هناك تناقضاً بين ما حدث وبين ما قاله اللّٰه تعالىٰ في كتابه العزيز: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً وهذا البلد الأمين ، فالبيت وُصفَ بالأمن في الوقت الذي دخله القتلة، وأثاروا فيه الرعب والفزع والقتل، وتركت هذه الجرائم آثارها على النّاس الآخرين الذين يقصدون البيت ولكنّهم خائفون وجلون ممّا قد يتكرّر، وممّا قد يقع.
وقبل التعرض إلىٰ ذلك لابدّ من ذكر الأمن لغة وآياته والأقوال المتعددة في مسألة أمن الحرم؛ لنصل إلىٰ حلّ ما قد يُرىٰ من تناقض بين النصوص والواقع التاريخي لأمن الحرم.
الأمن لغة: من أمِنَ يَأمنُ أمْناً وأماناً وأمانةً وأمَناً وإمْناً وأمَنَةً: اطمأنَّ وَلم يَخَفْ، فهو آمنٌ وأمِنٌ وأمينٌ يُقال: لك الأمانُ: أي قد آمنتُك أي جعلتك في أمن بعيداً عمّا يخيفك ويقلقك: وأمن يأمن البلدُ اطمأنّ فيه أهلُه. . والأمن: ضد الخوف.
فالبلد الأمين أي بلد الأمن أو البلد المأمون فيه، يأمن فيه من دَخله.
وآمنهم من خوف أي آمنهم من خوف وقد نكر لبيان شدّته، فجعلهم في أمن وسلامة وطمأنينة علىٰ أنفسهم وأموالهم و. . .