113يده مملكة القدس الصليبية، وقد أسر أمراء المسيحيين وفرسانهم، وقُتل رينو «عفريت الغرب» وخصم صلاح الدين شر قتلة، في حضور صلاح الدين بالذات، وفي رواية أنه قتله بيده 1.
وبإخفاق هذه المحاولة اليائسة، تراجعت - إلىٰ حدٍّ كبير - الرؤية الموضوعية، لصالح التدليس والتحريف لحقائق التأريخ، والحط من قيمة الإسلام والمسلمين، واعتبار أن المسلمين ليسوا أصحاب حكمة ودراية بالحرب وفنونها، وأنّهم جبناء. . وكفّار، وملاحدة، ووحوش، وقطّاع طرق. . 2ليأتي لاحقاً أدب الرحلات الاستشراقي، ليضفي علىٰ هذه الأحكام طابعاً نمطيّاً، حتىٰ بدت المعلومات المقلوبة والشوهاء وكأنّها محايدة وموضوعية وواقعية!
يقولالبروفيسور «ادوارد سعيد» : «لم يصبح الإسلام رمزاً للرعب، والدمار، والشيطاني، وأفواج من البرابرة الممقوتين، بصورة اعتباطية. فبالنسبة لأوروپا كان الإسلام رجّة مأساوية دائمة» . . ويدعونا «ادوارد سعيد» إلىٰ أن نتأمّل كيف أصبح الشرق، منذ القدم، وبخاصة الشرق الأدنىٰ، معروفاً في الغرب بوصفه نقيض الغرب المتمم له. . فيقول: كان ثمّة الكتاب المقدّس وبزوغ المسيحية وانتشارها. وكان ثمّة رحالون مثل ماركو بولو الذي رسم خطوط التجارة، وخلق نسقاً لنظام مقنّن للتبادل التجاري، ومثل لودقيكو قارتيما وبيترو ديلا فالي من بعده، وكان ثمّة مؤلّفون للحكايات الخرافية مثل ماندقيل، وكان ثمّة حركات الفتوح الشرقية المهيبة بالطبع، وفي مقدّمتها الإسلام، وكان ثمّة الحجاج المقاتلون كالصليبيين بشكل رئيسي. وقد نشأ منمادة الأدب، الذي ينتمي إلىٰهذه التجارب كلّها، سجلُّ حفظٍ ذو بنية داخلية متماسكة. ومن هذا كلّه ينبع عدد محدود من الكسولات النمطية: الرحلة، التأريخ، الخرافة، النموذج المنمّط، والمواجهات التماحكية. وتلك هي العدسات التي من خلالها يُجرَّب الشرق ويُعايَن، وهي تصوغ لغة الصدام بين الشرق والغرب، كما تصوغ تصوّره وشكله» 3.