54
بسم اللّٰه الرحمن الرحيم
الحمدُ للّٰهربِّ العالمين، وصلّى اللّٰه علىٰ باب الرحمة والهدىٰ، محمّد وآله الطاهرين. . . وبعدُ فهذه كلماتٌ يسيرةٌ في بيان الواجب من أفعالِ الحجّ والعمرة، وقد يتبعها بعضُ المندوب فيهما؛ وضعتُها تذكرةً لذي البصيرة، وتعليماً لغيره من الصرورة 1، وافداً بها علىٰ باب الجود ومنتهى القصود. ورتّبتُها علىٰ: مقدّمة، وفصلين، وخاتمة.
[المقدّمة]
مقدّمة: إِعلم أنّ الدنيا مثالٌ للآخرة وجسدٌ لها. وقد عَلِم أُولو الألباب أنّه لا يمكن الاستدلال للمكلّفين فيها علىٰ ما هناك إلّابما هنا، وقد جعل اللّٰه سبحانه تكاليفَ العباد صِراطاً إلىٰ رضوانه. ومن ذلك ما شرع لهم من حجِّ بيته الحرام، والوقوفِ بتلك المشاعر العظام، وكفىٰ به أمراً مهمّاً قولُه تعالىٰ في كتابه المبين:
(
وللّٰهِ على النّاسِ حجُّ البيت مَنْ استطاع إليه سبيلاً ومَنْ كفر فإنّ اللّٰه غنيٌّ عن العالمين) 2.
ثمَّ إنّه ينبغي لمن أجاب تلك الدعوة العُظمىٰ أن يجرّد نفسه من تبعات الخلائق، ويُقبل بقلبه علىٰ أبواب الخالق، في حركاته وسكناته؛ فإنّه روحُ العبادة؛ وليتذكّر بتهيئه للسفر السفرَ الأكبر، فعن الصادق عليه السلام: (إذا أردتَ الحجّ فجرّد قلبك للّٰه 3تعالىٰ من كلّ شاغل، وحجاب كلّ حاجب، وفوِّض أُمورك كلَّها إلىٰ خالقك، وتوكّل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكناتك، وسلَّم لِقضائه وحكمه وقدره، وودّع الدنيا والرّاحة والخلق، واخرج من حقوقٍ