20كيفيّة جلبه لولده وزوجه إلىٰ صحراء مكّة، ومن ثمّ قضيّة ذبح إسماعيل ووصول الذبح السماويّ، وبناء الكعبة المشرّفة، وما تبعها من أعمال الحجّ، فإنّنا نحصل علىٰ دورة كاملة للمسيرة العبادية والسلوك الرّوحاني والمعنوي للإنسان خروجاً من مُختَنقِ الذّات وعبادتها ووصولاً إلى التقرّب إلى اللّٰه، ونبذ متعلّقات النّفس الماديّة، والالتحاق بمقام الربّ، والركون إلىٰ دار الكبرياء (58) .
مع أنّه يبدو للوهلة الأولىٰ أنَّ الأحداث التي واجهت إبراهيم، وكذلك أعمال ومناسك الحجّ تتألّف ظاهرياً من أحداث منفصلة عن بعضها البعض، إلّا أنَّ مطالعة دقيقة في هذا المجال، تبيّن لنا حقيقة أنَّ هذه المناسك إنّما هي سلسلةٌ متّصلة تُلاحق هدفاً واحداً، يُعبّر عنها العرفاء بمراحل السير والسلوك الرّوحانيّين، ومراتب الطلب والحضور ومراسيم الحبّ والعشق والإخلاص، وأخيراً خروج المرء من جلده والالتحاق ببحر وجود الخالق اللامحدود، كلّ ذلك يكون في باطن تلك المناسك، ويحصل الإنسان بذلك علىٰ نقاط ألطف كلّما دَقَّقَ في تلك الأمور (59) .
هذا هو السلوك الرّوحاني الذي يُمثّل عقل وروح العبوديّة في كل العبادات (60) . لكنّه يتجلّىٰ في الحج أكثر من غيره من العبادات، وأنّ الأشكال الظاهرية لمناسك الحجّ يمكنها توضيح ذلك أكثر من باقي العبادات (61) .
ويُشترط في مسيرة الإنسان نحو الربّ الخروج من دائرة العالم المادّي، وتبنّي طريقة السالكين إلى اللّٰه، كما تفضّل الإمام الصادق عليه السلام قائلاً:
«إذا أردت الحجّ فجرِّد قلبَك للّٰهتعالىٰ من كلِّ شاغلٍ، ثمّ اغتسل بماء التوبة الخالصة من الذنوب، وَدعِ الدنيا والراحةَ والخَلق» (62) .
وما قاله الإمام زين العابدين عليه السلام مخاطباً الشبلي:
فحينَ نَزَلتَ الميقاتَ أَنَوَيتَ أنَّك خلعتَ ثوبَ المعصية ولَبِستَ