183ثمّ إنّه يظهر من كلمات بعض الأعاظم القول بعدم الفرق بين البذل والهبة، كالشهيد رحمه الله في الدروس حيث قال: في الفرق [بين البذل والهبة] نظر 1. وبه صرّح المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد والسيد السند رحمه الله في المدارك 2. وقال صاحب الحدائق رحمه الله: الظاهر أنّه لافرق بين بذل الزاد والراحلة وبين هبتهما في حصول الاستطاعة، لإطلاق النصوص المتقدّمة 3.
أضف إلىٰ ذلك كلّه أنّه تحصل الاستطاعة بمجرّد قول الباذل: «حجِّ وعليّ نفقتك ونفقة عيالك» وحينئذ هل الواجب الواقع علىٰ عاتق المبذول له صار واجباً مطلقاً حتّىٰ يلتزم به، أم صار واجباً مشروطاً، لكي يستطيع المبذول له في قبول الحجّ وعدمه؟
لا شك في أنّه لايشترط تحصيل شرط الواجب المشروط كما اشترط ذلك في الواجب المطلق مثل تحصيل الطهارة للصلاة ومسّ الكتاب العزيز، وعلىٰ ذلك فمن لم يتحقّق له الاستطاعة فلايجب عليه تحصيلها.
فالحجّ وإن كان واجباً مشروطاً بالنسبة إلى الاستطاعة ولكنّ الاستطاعة البذلية حصلت بمجرّد قول الباذل فصار الواجب هنا واجباً مطلقاً فوجب على المبذول له القبول، ووجب عليه أيضاً الإقدام في تهيئة المبادئ للتشرّف إلى الحجّ لما استفدنا من الآية المباركة والأخبار الدالّة علىٰ وجوب القبول.
وممّا يجدر ذكره أن في أكثر الروايات الواردة في هذا الباب ذيلاً يحكي: أن على المبذول له الخروج إلى الحجّ ولو علىٰ حمار أجدع أبتر، ونحن نرىٰ أن الاستطاعة في ساير الأمور تكون لصالح الحاجّ، وأن لايتحمّل أيّ حرج ومشقّة وأن يحجّ موافقاً لزيّه وشرفه، بخلاف الحجّ البذلي، لأنّ الحج البذلي ربّما يستلزم الحرج والمشقّة على المبذول له كما قد يستلزم ركوب حمار أجدع أبتر: فما هي الطريقة لرفع هذه العويصة؟