143الجدار الخشبي، مثيرةً بهذا العمل تساؤلات شتّىٰ، وتاركة المعتمرين في حيرة من أمرهم وألمٍ شديد، ذلك أنّهم ما تحمّلوا كلّ تلك المشاق إلّامن أجل التشرّف بالنظر إلى بيت اللّٰه الحرام والتمتّع بكلّ ركنٍ وجانبٍ منه.
وقد أورد بعض المعتمرين - مِمّن أُتيحت له الفرصة ودخل الجدار الخشبي إلى داخل الكعبة من خلال باب في الجدار - أنّ الحكومة السعودية أزالت السقف الخشبي للكعبة المشرَّفة، وأقامت بالفعل عدّة أعمدة خرسانية، وغطّت أرضية الكعبة كذلك بالاسمنت، وساوته ببوّابة البيت العتيق.
ولكي تبقى الباب بمنأىً عن أيّ ضرر أو تلفٍ (حسب ادعاء المسؤولين السعوديين) فقد خُلعت الباب من مكانها، ووُضعت في زاوية بعيدة عن متناول الأيدي. ثمّ بَنَتِ الحكومة المذكورة سقفاً جديداً على الأعمدة الخرسانية التي نصبتها آنفاً، في حين بقي الحائط الخارجي للكعبة من دون أن يطرأ عليه أدنىٰ تغيير. وطالت تعميرات الشاذروان وهو القاعدة السفلية المحيطة بالبيت الشريف، واستُبدلت الأحجار المحيطة بحجر إسماعيل عليه السلام. هذا وقد تمّ البناء في شهر رجب من عام 1417ه.
ومن جانب آخر فقد وصلت إليَّ نسخة مخطوطة باسم مرآة الحرمين تأليف أيوب صبري باشا، وبعد إلقاء نظرة على تلك المخطوطة تبيّن لي أنَّ المؤلّف تطرّق فيها إلى تأريخ التعميرات والترميمات التي أُجريت على الكعبة الشريفة، حيث يعرض أوجه الشبه بين أساليب التعمير والبناء في الماضي وما هي عليه في وقتنا الحاضر. ومن جملة ما ذكر، أنَّ فيضاناً عظيماً حدث في زمن الشريف مسعود والي مكة تَسبَّب في تهدّم جزء من جدار الكعبة الشريفة، فأوفدت الدولة العثمانية في حينها مبعوثاً لها يدعىٰ
«رضوانآقا» للنظر بما يمكن القيام به من أجل إعادة بناء تلك الجُدران وتعميرها. وبالفعل فقد أُقيم جدارٌ خشبي حول الكعبة المشرَّفة واستُؤنِفَ البناء في الحال.
ويستطرد صبري باشا قائلاً: لقد حذا مبعوث الدولة العثمانية لهذا العمل حَذْوَ عبد اللّٰه بن الزبير، بمعنى أنّ مبعوث الدولة كان قد اتَّبع الخطوات نفسها التي اتّبعها عبد اللّٰه ابن الزبير، واستخدم الأساليب نفسها.