12ذلكم هو الحجّ الذي يكافح ويناضل المسلم في سبيل أداء مناسكه، ويتمرّغ علىٰ تراب الذُلّ ويُحمِّلُ نفسه مشقّة وتعباً عظيمين، ويعاني مرارة الغُربة والهجران، ويمسك عن جميع ميوله ولذّاته، ويمتنع عن كثير من عاداته وطبائعه، باذلاً القدر الأكبر من مصاريفه لذلك، ويتحمّل أعباءَ حجّة مهما بلغت صعوبتها من أجل تنفيذ أمر من أوامر الباري عزّوجلّ (8) .
ومع أنَّ الحجَّ يبدو وكأنّه عبادة من العبادات الأخرىٰ، إلّاأنَّ هذه العبادة تجمع في جنباتها - في الواقع - عبادات كبيرة عِدّة (9) ، ولايمكن لأيّ عبادة أن توازيه في ذلك (10) ، ولا ثواب لهذه الفريضة سوىٰ حيازة رضوان اللّٰه ودخول جنّته (11) ، كما قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم:
«لو أنفقتَ في سبيل اللّٰه بحجم جبل أبي قُبيس ذهباً، فإنّك لن تصل مرتبة الحاجّ وما يحوزه من القَدر» (12) .
إنّه الحجّ الذي يُزيح عن كاهل المؤمن الكثير من المعاصي الكبيرة بأدائه هذه الفريضة، يمحو عن قلبه كلّ صَدإ سبّبته سيئاته فيكون كمن ولدته أمّه توّاً (13) ، ولا تكتب ضدّه سيئة أخرىٰ حتّىٰ مرور أربعة أشهر ما دام الحاجّ لم يرتكب كبيرة إثر ذلك، وتكتب له عوضاً عن ذلك حسنات كثيرة (14) .
لقد كان الحجّ فريضة مفروضة في أولى الشرائع الإلهيّة، وأدّاه الملائكة وآدم وحوّاء وأنبياء اللّٰه جميعاً علىٰ أكمل وجه (15) وأدخَلَ إبراهيم إمام الموحّدين تعديلات عليه وَجدَّده (16) وأُمِرَ إسماعيل بالتمهيد لإقامة تلك الشعيرة المقدّسة (17) ، وقد أدّى الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم شعائر هذه الفريضة مرّات عديدة رغم كلّ الصعوبات الّتي واجهته (18) وسعىٰ مدىٰ سنوات طوال لتثبيت هذه الفريضة، وتهيئة المسلمين لإقامة الحجّ الحقيقي. ووُفّق أخيراً وبعد الحوادث المريرة، والغزوات المتعدّدة. وبعد جهاد بالنّفس والمال والرّوح، وبذل أغلى الشهداء والأعزّاء، وقادة وروّاد الإسلام، وُفِّقَ بالدخول إلىٰ مكّة في السنة