57أشكالاً ورسوماً بعدد الكتل البشرية مما يحدث تحوّلاً هندسياً في الروافد البشرية، عملية التحوّل هذه يرشحها الدخول في الإحرام والشروع في التلبية وأداء المناسك، فتتساوق الأعمال هذه مع تلاقي أنصاف الأقطار البشرية علىٰ دائرة ضيقة نسبياً، ويكاد ينعدم الفراغ المكاني (الخلاء) وتتماسك خلاياه فيحدث إحساسٌ كبيرٌ بأهمية اللوحة (الرقعة) المكانية المقدسة، وإذْاك تفرغ الروافد المكانية كلّ ما في طبيعتها من لائقية مادية مقبولة، وتتواشج نحو التحامٍ حقيقي يطيح بفوضوية الأجزاء، إن هذا يدعو إلىٰ اعتبار قياسات جديدة للمكان. .
القياسات الجديدة للمواقيت والمشاهد تنبع من الذاكرة. . الذاكرة الجمعية التي هي سنة من سنن الفطرة.
المكان في الصورة المقدسة هذه يصبح كائناً حيّاً فاعلاً، له موضوعية في تجربة المناسك؛ ولذا يكون قابلاً لفرضيات الإنسان والاجتماع، لأن مواجهته بهذه القوة والامتداد المفروضة في التشريعات والأحكام تضفي عليه لوناً من الحركة والتجدد والصيرورة، فلا يكون موضوعاً أو مادة للتاريخ أو حدثاً لزمان معين، إنما يصبح خلية منتجةً من خلايا الوجود تتعاطف إبداعياً مع طهارة الإنسان الحاج. يؤدي هذا إلىٰ تلاشي المقاومة الطبيعية السلبية للمكان وعبر مقابلة اعتراف الحاج وقراره بإقصاء الأنا أو الذات المضافين واللذين هما طرفا النزاع والخصومة والمقاومة مع غفلة الطبيعة وتحجرها.
كلّ هذا يحدث في لحظة الولوج إلىٰ ما بعد الميقات. . وحين يتمُّ انسحاب الأنا المؤثثة بالكثير من التوابع المادية والترابية، تسلم الطبيعة إلىٰ شكلها الأصيل، وتنتمي للحاج وتتصافح معه بقوة وعنف، وتتجلىٰ عن مواقف ومشاهد مشرّفة طاهرة، تؤرخ وتضبط للإنسان حدود وكيفيات أداء المناسك، وتشترك فعلياً في رسم صور السنن الشرعية الخاصة بفريضة الحج.