52الطبيعة العبادية في فريضة الحج أقرب من غيرها إلىٰ معطيات الطبيعة والتكوين، ومن واقع تجربة يطالع فيها العبد الحاج حسيّة الجماعة التي تختلف عنه بمعظمها عن لسانه وعاداته ولونه وانتمائه القبلي، وإلىٰ حدٍّ ما يتقارب مع التفاوت المذهبي، وبلحاظ هذا التطلع والتقارب بين الطبيعة والحج تتضحّ لنا الإثارات التي يثيرها القرآن الكريم والسنة الطاهرة بخصوص تعلق أغلب عناوين المناسك بموجودات طبيعية وأرضية معينة ومحددة، والتي تواصلت قوة وضعفاً منذ أن أمر اللّٰه سبحانه خليله إبراهيم عليه السلام بإرساء قواعد البيت الآمن.
مجموعات كبيرة من الرموز المكانية والزمانية في سياقات النص القرآني والسنة المطهّرة تصلح أن تترافد كاشفةً عن المحتوى الجمالي لأداء المناسك وعن أصل هذا النوع من الجمال.
ولأن كلّ مفردة في النص قابلة للالتحام مع وحدوية مضمون السياق، ولأن كلّ نص يتواشج مع آخر في إطار الاندماج الموضوعي، فإن تياراً عنيفاً يصرف الذهن والخيال إلىٰ معانٍ جليلة مقدسة، إذ الإنسان في الحج وانطلاقاً من مكانية (الميقات) وبقدر ما يقصي عن طبيعته الآدمية التي خُلق بها كلّ المضافات الترابية، ويتجرد بكلِّ توّهج فإنه من جهة يخلعُ عليه حُلةً ماديةً بيضاء (لباس الإحرام) إنما يتجلىٰ عن صورة أمثل ليكون معرباً عن خروجه من عقده وحالِه ليندمج في عقيدة وساحة أخرىٰ في ذات المكان والزمان الدنيوي؛ هي تلك رمزية تفيد استتلاء المضمون السليم إذ يصبح الحاج وهو يرتدي الإحرام ومعه الحجاج الآخرون بلون الفضاء الممتد بين تخوم الأرض وعنان السماء (فالكعبة ليست البناء الخاص المحدّد بل هي الفضاء الخاص الممتد من تخوم الأرض إلىٰ عنان السماء) 1.
إن القرية الكونية التي يضع الجمال الكوني مفاتيحها بيد الحاج لهي الساحة