46لحظة واحدة فقط، لحظة ويجب أن لا تكون مجردة عن الشكل، فاقترح التشريع الإسلامي الوقوف الطبيعي الجماعي حول شكل مادي حجري.
الوقوف هذا وحركته الطبيعية إيماءة مثيرة يؤسسها التشريع في أداء المناسك عامة نحو فكرة الإبداع والجمال في عبادة الحج، حتىٰ لا تتسرب الذاكرة وتندفع في دفقة حين تكون جماعية تياريّة نحو الخيال المحض، والقفز نحو المجهول والمجهولية، والتي تتوتر بعيداً في الخيالي، وتتجه إلىٰ حيث الأسطورية والخرافة، وإذن فإن في الوقوف بعرفات ذاكرة مسدّدة تخترق الزمن بإشارة وبسماح وبتمويل مكاني حيث يكون الوقوف في التاسع من ذي الحجة (إن جبرئيل كان يطوّف إبراهيم في المشاعر ويعلمه المواضع وهو يقول عرفت) 1أو (إن فيه تعارف آدم وحواء) 2أو (إن الناس يعترفون بذنوبهم في المكان) 3.
ما كان للذاكرة أن تتحرر لولا المرور التأملي بالميقات الذي يصمم على المكان وفي الزمان وحدة بين الزمان والمكان.
وكذلك عندما يمرّ الحاج علىٰ أطراف مكة فيواجه (المشعر الحرام، عرفات، مِنىٰ) ويرىٰ تلالاً من الحجر الصغير، وكيف أن الحجر المكسر الصغير لا ينتابه نضوب أو تكلس (وقد يبلغ من يرمي في كل سنة ستمائة ألف إنسان - كل واحد منهم يرمي سبعين حصاة - ثم لا يرىٰ هناك إلّامالو اجتمع في سنة واحدة لكان غير كثير) 4.
إن هذه الايحاءات تتماوج حول الإنسان الحاج، والإسلام حين يدعو إلى المثالية والتجرد وسط حضور هذه الأشكال إيماءاتها لا يدعو إلى الإقصاء الكلي لعالم المادة، وإنما لإشباع وتربية العاطفة وتأكيداً منه علىٰ نبالة وقداسة الأشياء والطبيعة، ولتتصاعد عوالم الاشياء والماديات إلىٰ مثالها الأعلىٰ، واذاك تنفتح لوحة الكون بكلّ أسرارها أمام الحاج وتبوح بمكنونها فتحدث عملية تفكيك،