129قال: قيل له إن عبداللّٰه بن الحسن يزعم أنه ليس عنده من العلم إلّاما عند الناس، فقال: صدق، واللّٰه ما عنده من العلم إلّاما عند الناس، ولكن عندنا واللّٰه الجامعة فيها الحلال والحرام، وعندنا الجفر، أفيدري عبداللّٰه أمسك بعير أو مسك شاة، وعندنا مصحف فاطمة، أما واللّٰه ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وخط علي عليه السلام. .) 1.
لقد كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام يمثل المرجعية العلمية في حياة المسلمين بعد وفاة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، بالرغم من إقصائه عن المسرح السياسي في حياة الخلفاء الثلاث، لكنه كان يسهر علىٰ حماية تجربة الاسلام الفتية من النكوص والتداعي، وهذا ما جعله يسجل حضوراً مشهوداً في مواقف متنوعة، منها ما يرتبط بالقضاء وحسم الخصومات بين الطرفين المتنازعين حين يتعذر على الخليفة اتخاذ موقف قضائي بذلك 2، ومنها ما يرتبط ببيان المواقف الاستراتيجية في المنعطفات السياسية والعسكرية في الحياة الإسلامية، عندما يتعرض المسلمون لأخطار وشيكة، إثر الصراع المحتدم مع الامبراطوريتين الرومانية والفارسية، وقوى الشرك الأخرىٰ في الجزيرة العربية. يضاف إلىٰ ذلك الدور البارز الذي اضطلع به الإمام علي عليه السلام في حلّ المعضلات العقائدية والفكرية، التي كانت تتوالد كلّ يوم مع ازدياد عدد المسلمين واتساع رقعة الدولة الإسلامية. وهذا ما تحكيه بوضوح المراجع التاريخية، التي تحدثت عن تلك الحقبة، فحين تشير إلىٰ طبيعة التحديات المختلفة، التي كانت تواجه المسلمين وقتئذ، تكشف عن الدور المتميز، الذي كان ينهض به الإمام علي عليه السلام، ففي التفسير وبيان ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه كان هو المرجع، وفي بيان الأحكام الشرعية هو المرجع، وفي حلّ المعضلات الفكرية المتنوعة هو المرجع، وفي المناظرات العقائدية هو المرجع، حتىٰ شهد الخليفة الثاني بمرجعيته