74كان مُدْبِراً عنه، طارداً له عن بابه، فأذِنَ له في دخول حرمه؛ فإنّ المَشْعَرَ مِن جملة الحرم وعَرَفَةَ خارجةٌ، فقد أشْرَقَتْ عليه أنوارُ الرحمة، وهَبَّتْ عليه نَسَماتُ الرأفة، وكُسِيَ خِلَعَ القبول بالإذنِ في دخول حرم المَلِك.
وأمّا رميُ الجِمار: فَلْيَقْصِد به الانقياد، لأمره وإظهارَ الرَقِّ والعبوديةِ، ثمّ ليقصِدْ به التَشَبّهَ بإبراهيمَ عليه السلام حيث عَرَضَ له إبليسُ لعنه اللّٰه في ذلك الموضِع لِيُدْخِلَ عليه شبهةً أو يَفْتِنَه بمعصيةٍ، فأمَره اللّٰهُ تعالىٰ برَمْيه بالحِجارة؛ طَرْداً وقطعاً لأمله. فإنْ خَطَرَ له أنّ الشيطانَ عَرَضَ لإبراهيم عليه السلام ولم يَعْرِضْ له، فَليعْلَمْ أنّ هذا الخاطرَ مِن الشيطانِ، وهو الذي ألْقاه علىٰ قلبه لِيُخَيِّل إليه أنّه لا فائدةَ في الرمي، وأنّه يُشْبِهُ اللَعْبَ، فَلْيَطْرُدْه عن نفسه بالجِدِّ والتشمير 1في الرمي فيه برغْم أنْف الشيطان؛ فإنّه وإنْ كان رَمْياً للجَمْرة بالحَصىٰ فهو في الحقيقة رَمْيٌ لوجهِ إبليسَ وقَصْمٌ لظهره إذ لايَحْصُلُ إرغام أنفه إلّابامتثال أمر اللّٰه تعالىٰ؛ تعظيماً لمجرَّد الأمر.
وأمّا ذَبْحُ الهَدْي: فَلْيَعْلَمْ أنّه تَقَرُّبٌ إلى اللّٰه تعالىٰ بحكم الامتثال فَلْيُكْمِلِ الهَدْيَ أجزاءه. وهو يُشْبهُ القربَ إلى المَلِك بالذَبْحِ له وإتمامِ الضيافة والقِرىٰ، والغايةُ منه تذكُّر المعبود الأوّل سبحانَه عندَ النيَّة في الذَبْح واعتقادُ أنّه مُتَقَرِّبٌ به إلى اللّٰه تعالىٰ 2.
فهذه هي الإشارة إلىٰ أسْرار الحجِّ الباطنةِ فراعِها بفكرٍ صحيحٍ تُطْلِعُكَ علىٰ ما فوقَها مِن المَدارجِ، وتَعْرُج بك علىٰ أشرفِ المَعارج. وفَّقنا اللّٰهُ وإيّاك لِتلقّي الأسرار، وجَعَلَنا مِن المخْلَصينَ الأبرار؛ إنّه جوادٌ كريمٌ.
تتميم: يُسْتَحَبُّ لِقاءُ الحاجِّ ومصافَحَتُه وتقبيلُه والِْتماسُ بَرَكته وما