29سفر غير أسفار الدنيا.
ويستحضر أيضاً غايته من ذلك السفر، وأنه متوجّه إلىٰ ملك الملوك وجبّار الجبابرة، في جملة الزائرين الذين نودوا فأجابوا، وشوّقوا ما اشتاقوا، وقطعوا العلائق، وفارقوا الخلائق، وأقبلوا علىٰ بيت اللّٰه طلباً لرضى اللّٰه وطمعاً في النظر إلىٰ وجهه الكريم.
وليحضر أيضاً في قلبه رجاء الوصول إلى الملك، والقبول له بسعة فضله، وليعتقد أنّه إن مات دون الوصول إلى البيت لقى اللّٰه وافداً عليه، لقوله تعالىٰ: « وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتهِ مهاجراً إِلَى اللّٰهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اْلمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّٰه» 1.
وليتذكر في أثناء طريقه من مشاهدة عقبات الطريق عقبات الآخرة، ومن السباع والحيّات حشرات القبر، ومن وحشة البراري وحشة القبر وانفراده عن الأنس، فإنّ كلّ هذه الأمور جاذبة إلى اللّٰه سبحانه ومذكّرة له أمر معاده.
وأمّا الإحرام والتلبية من الميقات:
فليستحضر أنه إجابة نداء اللّٰه تعالىٰ، وليكن في قبول إجابته بين خوف ورجاء، مفوّضاً أمره إلى اللّٰه، متوكّلاً علىٰ فضله.
قال سفيان بن عيينة: حجّ زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، فلمّا أحرم واستوت به راحلته، اصفرّ لونه، ووقعت عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبّي، فقيل له: ألا تلبّي، فقال: «أخشىٰ أن يقول: لا لبّيك ولا سعديك!» ، فلمّا لبّىٰ غشي عليه وسقط عن راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتّىٰ قضىٰ حجّه 2.
فانظر رحمك اللّٰه إلىٰ هذه النفس الطاهرة، حيث بلغ بها الاستعداد