70صاحبي كان مخلطاً، كان يقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر، وما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه، فقدِم مكة متمرّداً وإنكاراً علىٰ من يحج، وكان يكره العلماءُ مجالسَتَهُ، لخبث لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد اللّٰه عليه السلام، فجلس إليه في جماعة من نظرائه، فقال: يا أبا عبد اللّٰه، إنّ المجالس بالأمانات، ولابدّ لكلّ مَن به سعال مِن أن يسعل، أفتأذن لي بالكلام؟ فقال: تكلّم.
فقال: إلى كم تدوسون بهذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، إنّ مَن فكّر في هذا وقدّر علم أنّ هذا أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل، فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أُسّه وتمامه.
فقال عليه السلام: «إنّ من أضلّه اللّٰه وأعمى قلبه، واستوثم الحقّ ولم يستعذ به، فصار الشيطان وليّه وربّه، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره، وهذا البيت استعبد اللّٰه به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم علىٰ تعظيمه وزيارته، وجعله محلّ أنبيائه وقبلةً للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه، منصوب علىٰ استواء الكمال، ومجمع العظمة والجلال، خلقه اللّٰه قبل دحو الأرض بألفي عام، . . .» 1.
قوله عليه السلام:
وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ.
السّماع جمع سامع - كسامر وسمّار - وهم الحاج في قوله تعالى: « وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلىٰ كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍّ عميق» 2.
والضمير في قوله عليه السلام: «أجابوا إليه» للبيت، وفي «دعوته» للّٰهتعالى، أي أجابوا - قاصدين إلى البيت - دعوتَه تعالى.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «لمّا أُمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء البيت،