214ومن هنا فإنّ مفهوم السيادة في الإسلام لا يحمل أي معنى سلبي مخلّ بإنسانية الإنسان، وإحساسه بكرامته وشخصيّته. وما قد يتصوّره البعضُ من أنّ عملية بسط سيادة التوحيد على المجتمع الإنساني ككل سوف تكون عمليّة متعذّرة، وستتطلب أنهاراً من الدماء، منشؤه القياس على الحروب الإستعمارية. والفرق بين الفتح الإسلامي والحروب الإستعمارية واسعٌ جداً 1وهو الفرق الأساس بين مبدإ الإسلام في الدفاع عن قاعدته الكبرى - التوحيد - ومبدإ الغرب في الدفاع عن قاعدته الكبرى - الحريّة - فإنّ الإسلام يستطيع أن يفرض علىٰ أتباعه النقاء في هذه الأهداف بينما لا يستطيع الغرب أن يفرض علىٰ أتباعه ذلك.
وسرعان ما تتحوّل عملية الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان إلى نظام انتداب أو معاهدة مذلّة، أو احتلال عسكري مباشر، أو استعمار اللعبة الدولية والمخابرات السريّة الذي يسقط متى ما أراد هذا النظام الحاكم اسقاطه، وإقامة نظام آخر علىٰ انقاضه.
إنّ تبني الإسلام لمبدإ حاكمية الإنسانية الملتزمة على الأرض ناشئٌ من هدفية الإسلام، وسعيه للاتساق مع النظام الكوني بفرض النظام على الحياة الإنسانية، ومنعها من الانحدار إلى العبثية والفوضوية. ولكي تكون السيادة في نهاية المطاف للقانون الإلهي الذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، ويمنع كلّ غير ذي حقّ من الاعتداء علىٰ حقوق غيره، وبما يخدم قضية السلم الإنساني بنطاقها الواسع، ولا يصعب على الإنسان المؤمن بالهدفية في الحياةِ الإيمانُ بمبدإ حاكمية الإنسانية الملتزمة، بل يجد الغضاضة بغيره.
من هنا فإنّ التناقض الإسلامي - الغربي حول هذه النقطة ناشئ من عبثية الفكر الغربي، الذي لم يعطِ لمسألتي الكون والحياة حقّهما من البحث، وفصل الثانية عن الأولى انطلاقاً من فكرة العلمانية القائلة بفصل الدين عن السياسة.