213وانطلاقاً من قاعدته الكبرى في الحياة يقسم الإسلام المجتمع ثلاثةَ أقسام هي:
الأول: يمثل إنسانية ملتزمة.
الثاني: يمثل إنسانية شبه ملتزمة.
الثالث: يمثل إنسانية ترفض الالتزام.
وهذا التبرّج في الالتزام يمثل تدرجاً في القرب والبعد من التوحيد، وعلىٰ ضوئه يوزع الإسلام المواقع والمسؤوليات في الحياة بين هذه الأقسام. فيعطي الموقع الأول في الحياة للقسم الأول، والموقع الثاني للقسم الثاني فيما يرفض الإيمان باستحقاق القسم الثالث لأيّ موقع. ويتضمّن موقع القسم الأول - الإنسانيّة الملتزمة - حقّ السيادة على الأرض وقيادة المجتمع الإنساني. قال تعالى:
« ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلَهُم أئمة ونجعلَهُم الوارثين» 1.
«
وكذلك جعلناكم أُمّة وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس. . .» 2.
والسيادة في عرف الإسلام ليست سيادة عنصرية كما هو المفهوم منها في العصر الحاضر، وإنما هي سيادة موضوعية ناشئة عن مبدإ سيادة التوحيد علىٰ ما سواه في الأرض؛ ليكون الدين كلّه للّٰه، وليست سيادة الإنسان على الإنسان إلّا ظلاً لذلك المبدإ وهذا ما يفسر الكيفيّة الأيسر، والخسائر الأقل التي يتطلبها فرض هذه السيادة بالقياس إلى عمليات فرض الأنواع الأخرى التي تأخذ أشكالاً عنصرية - قومية أو وطنية - فتجعل كيفيتها متعذرة، وخسائرها لا تطاق؛ لأنها شكلٌ من أشكال عبودية الإنسان للإنسان. والإسلام يرفض كلّ أشكال هذه العبودية، ويحصر نطاق العبودية في الخالق العظيم - سبحانهوتعالى -