153فلما قبلوا هذا الرأي، أخذوا ينظرون إلى باب الصفا منتظرين صاحب الحظّ العظيم، والشرف الرفيع الذي سيكون علىٰ يديه حقن دمائهم، وحفظ أنفسهم. . . فاذا بالطلعة البهية، والنور الساطع. . اُنظروا. . إنه محمّدٌ بن عبد اللّٰه. .
إنه الصادق الأمين. . وبصوت واحد. . هذا الأمين قبلناه حكماً بيننا. . هذا الصادق رضينا بحكمه. . ثمّ تقدم نحوه كبراؤهم وزعماؤهم. . يا محمد! أحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون! نظر إليهم رسولُ اللّٰه صلى الله عليه و آله فرأى العداوة تبدو في عيونهم. .
والغضب يعلو وجوههم. . والبغضاء تملأُ صدورهم. . أيُّ قبيلة سيكون لها هذا الشرف العظيم، والفخر الكبير، إن حكم لقبيلة دون أُخرىٰ؟ وهل سيرضون بحكمٍ كهذا، وقد ملئت قلوبهم بغضاً، ونفوسهم حقداً، ووضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم، وعلت الرماح فوق رؤوسهم؟
في هذا الجو المرعب والمخيف والمحاط بالشرّ، كلّ الشرّ، يقف الصادق الأمين ليعلن حكماً ينال رضاهم جميعاً، ويعيد السيوف إلى أغمادها. . الجميع سكوت ينتظر ما يقوله فتى قريش وأمينها، وهو في هذا العمر (35 سنة) أمام شيوخ قريش وساداتها. . قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: هَلُمّ [ هلمّوا ] إليّ ثوباً، الكلُّ ينظر إليه، ماذا يُريد بهذا محمد؟ فيقول آخرون: انتظروا لنرى: أُتي بالثوب، نشره بيديه المباركتين، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب، ثمّ نظر إليهم وقال: ليأخذ كبيرُ كلِّ قبيلة بناحية من الثوب. فتقدّم كبراؤهم وأخذ كلّ واحد منهم بطرف من أطراف الثوب، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه، فانحسم الخلاف، وانفضّ النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين 1، التي فعتِ الفتنة أن تقع، وحفظتِ النفوس أن تزهق، والدماءَ أن تُراق، حقاً إنّك يا رسول اللّٰه رحمةٌ للعالمين قبل بعثتك نبيّاً وبعدها، حياتك عطاءٌ كلّها وخيرٌ وبركة