152ويكتمل البناء، ويُرفع الأذان بالحج علىٰ لسان نبيِّ اللّٰه إبراهيم، ويلبي الناسُ دعوته من كلّ مكان، وتبدأ مسيرة الحج العظيمة لتستمر عَبر التأريخ وإلى ما شاء اللّٰه تعالى:
« وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلىٰ كلّ ضامر يأتين من كلّ فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسمَ اللّٰه في أيام معلوماتٍ علىٰ ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكُلوا منها وأطعِموا البائسَ الفقير ثم ليقضوا تفثَهُم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق» 1.
وبقيت الكعبة علىٰ هيئتها من عمارة إبراهيم عليه السلام حتىٰ أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال، فصدع جدرانها بعد توهينها ثمّ بدأت تنهدم، فاجتمع كبراء قريش، وقرّروا إعادة بنائها. . وراحت قريش تنفذ ما قررته حتىٰ ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن، اختلفت حول مَن منها يضع الحجر في مكانه، وأخذت كلّ قبيلة تطالب بأن تكون هي التي لها ذلك الحقّ دون غيرها، وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي أن يحولوا بين أية قبيلة وهذا الشرف العظيم، وأقسموا علىٰ ذلك جهد أيمانهم، حتىٰ قرّب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم؛ ولذلك سُمُّوا «لَعَقَة الدم» . وعظم النزاع حتىٰ كادت الحرب أن تنشب بينهم لولا أن تدخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي بعد أن رأى ما صار إليه أمر القوم، وهو أسنهم، وكان فيهم شريفاً مطاعاً، فقال لهم:
يا قوم! إنما أردنا البرَّ، ولم نرد الشرَّ فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أموركم، وطمع فيكم غيركم، ولكن حكموا بينكم أول مَن يطلع عليكم من هذا الفج [ أو اجعلوا الحكم بينكم أول مَن يدخل من باب الصَّفا ] قالوا: رضينا وسلمنا 2.