14يمكن أن تكون مكّة « أمَّ القرى» 1وعندئذٍ تصبح أنموذج المدينةِ الفاضلة. إن إبراهيم الخليل هو باني الكعبة، وهو الذي جعل البلد غير ذي الزرع أمَّ القرى، ومن أجل أن تتحول هذه الديار غير ذي الزرع إلى أمّ القرى، ويرتفع منها النداء إلى العالم أجمع، ويشتاق ساكنوا الأرض للقاء هذه الفلوات، فقد توجّه للّٰه - تعالى - بالسؤال: 21 - « ربّ اجعل هذا بلداً. . .» اللهم! تفضل علىٰ هذا الوادي غير ذي الزرع بالإعمار واجعله بلداً، ومن البديهي أنه لو أريد للوادي غير ذي الزرع أن يتحول إلى مدينة فاضلة، لابدّ من إعادة بنائه وتحويله إلى مدينة أولاً.
2 - « ربّ اجعل هذا بلداً آمناً. . .» أي وفّر أسباب الأمن لأهل هذه المدينة.
3 - « وارزق أهلهُ من الثمرات. . .» أي أمِّن الاقتصاد السالم لساكني هذه المنطقة.
وتمثل هذه الطلبات الثلاثة، ثلاثة أركان فقط من أركان أمّ القرى، وهي لا تكفي لإقامة المدينة الفاضلة وإن كانت لازمة ومهمة. ومن هنا فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام طلب الركن الرابع أيضاً من اللّٰه - تعالى - فقال: « . . . فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم. . .» 3.
ومن هنا فإنّ المدينة إنما تصبح فاضلة عندما تهوي إليها القلوب وتتعلق بها. اللهم! فاجعل أفئدةً من الناس ترنوا إلى هذه البلاد وتهاجر إليها، من دون أن ترحل عنها.
فلو فقد «الأمن» في البلد، و «الحرية» جرّت الويلات، ولم يبق «للاقتصاد السليم» أثرٌ يذكر، ولاتّضح من ذلك بأن ثقافة أهل ذلك البلد قد تدنّت واضمحلّت، ولا أثر من مراعاتهم للمسائل الأخلاقية، وتهيئ أرضية الرحيل