133الدنيا من الغنى، وإذا كان لا يقاطع، - ولو بصورة مؤقتة - كلّ ما يشغل باله وهمّه عن هذه الدعوة.
إنّ التلبية من فعل القلب، وأفعال الجوانح تختلف عن أفعال الجوارح.
فليس في وُسع القلب أن يكون له في وقت واحد همّان واهتمامان، وانشغالان، وانصرافان واستجابتان، وذكران، بعكس الجوارح التي يمكنها أن تمارس في وقت واحد أكثر من فعل واحد.
يقول تعالى: « ما جعل اللّٰه لرجلٍ من قلبين في جوفه» 1.
فليس في جوف الإنسان إلّاقلب واحد، وليس للقلب الواحد إلّااهتمام واحد.
فإمّا أن يصرف الإنسان هذا الإهتمام في الاستجابة إلى اللّٰه تعالى، وإما أن يصرفه إلى غير اللّٰه، وإمّا أن يعطل الإنسان قلبه، ويُبلّدهُ فيكون محلاً لكلّ شارد ووارد.
التلبية استجابة وإعراض:
والتلبية استجابة وإعراض. استجابة لدعوة اللّٰه - تعالى - وإعراض عن كلّ دعوة أُخرىٰ. ممّا تلقاها في هذه الدنيا.
وليس يدعو الإسلام المسلمينَ إلى الإعراض عن الدنيا، وليس ينهي الإسلام عن الإقبال علىٰ هذه الدنيا وفتنها، وإنّما يدعوهم إلى أن يجعلوا استجابتهم لها في طول استجابتهم لدعوة اللّٰه وامتدادها، وليس في عرضها، وإلى جنبها.
وأمّا في «الحج» فلا يتمكّن الحاج أن يستجيب لهذه الدعوة الإلهية وأن يقطع آفاق هذه الرحلة الإبراهيميّة المباركة إن لم يمحّض قلبه واهتمامه واستجابته