99يكون قدوة وداعية في هذا المجال، انسجاماً مع القاعدة التوحيدية الكبرى التي يقوم عليها هذا المجتمع، والتي تجعله ركيزة السلم في المجتمع الإنساني كلّه، فحيث ينحصر التوحيد الحقيقي بالمجتمع الإسلاميّ يكون هذا المجتمع قاعدة السلم في المجتمع الإنساني.
من هنا فإنّ مبدأ الأشهر الحرم يمثل دعوة إلىٰ إقامة نظام أمني عالمي. فإنّ التمسك بهذا المبدأ من طرف واحد، مهما كان شديداً، لا يحقّق الهدف المطلوب، فلابد من إقامة التزام دولي متبادل بهذا المبدأ. وهكذا فإن الإسلام أوقف مجتمعه على أرقىٰ درجة يمكن أن يلتزمها لصالح السلم، فيما علق درجة التحريم المطلق للحرب في الأشهر الحرم على ظهور نظام أمني عالمي تتبادل فيه الأطراف الدولية المختلفة الاحترام لمبدأ الأشهر الحرم. ولذلك أجاز للمسلمين القتال في هذه الأشهر إذا كانوا في حالة دفاعية، أو كان خصمهم ممن لا يرى لهذه الأشهر حرمة. وهما شرطان ينسجمان تماماً مع ذلك المبدأ، لأنهما يتفقان معه على محاربة العدوان، وتضييق فرصه. فليس من مفهوم السلم - بل مما يخالف السلم - أن يُمنع المظلوم من استرداد حقه، أو يقال لأحد طرفي النزاع: كُفَّ عن القتال في هذه الأشهر، واسمح لعدوك أن يقضي عليك فيها. فإنها بهذه الصورة ستكون أشهر العدوان، لا أشهر الحرم.
وهكذا فإنّ مبدأ الأشهر الحرم هو مبدأ المسلمين الدائم حتّىٰ يثبت عدم إيمان العدو به، لذلك «الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص» فكما لا حرمة لدم القاتل ظلماً وعدواناً لهدره حرمة دم المقتول، كذلك لا يمكن التزام حرمة شهر لا يرى العدو حرمة له. ولذلك «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» دون أن تتجاوزوا حدَّ القصاص العادل، أو تشتط بكم نزعة الانتقام إلىٰ حدود الظلم «واتقوا اللّٰه» فإنّ الشرَّ لا يعالج بالشر «واعلموا