98
الثانية: أن المغزى السلمي أساس العديد من شعائر الحج ومناسكه، بحيث قد لا نرى قضية إنسانية يخدمها الحج أكثر من قضية السلم، ولا نرى فريضة إسلامية أخرى تخدم قضية السلم أكثر من الحج. وعندما يتّضح ذلك، سيكون بإمكاننا أن نقرّر باطمئنان أن الحج في بعده السياسي فريضة ذات مفهوم سلمي شديد التركيز. وهو مفهوم يتكون من عدة أبعاد مهمة في الحج، هي:
أولاً: البعد الزماني:
فالحج فريضة مؤقتة بزمان خاص، وفي شهر خاص، هو شهر ذي الحجة، وهو أحد الأشهر الحرم، ويتوسط شهرين آخرين منها هما ذو القعدة ومحرم، والرابع منها هو شهر رجب، وهي الأشهر التي حرّمت الديانةُ الإبراهيمية القتالَ فيها، وأمضى الإسلامُ حرمتها.
إن تحريم القتال في هذه الأشهر على المسلمين، وإلزامهم قبل غيرهم به، يمثل محاولة رائعة لتجفيف دواعي الحرب، وتنشيط أسباب السلام في المجتمع الإنساني، لفترة زمنية تساوي ثلث السنة، يقضيها المجتمع الإسلامي في عملية تربوية إيجابية، هدفها السلام من خلال جانبين: الأول سلبي: وهو التخلي عن دواعي الحرب. وذلك بتحريمها في هذه الأشهر، والثاني إيجابي: وهو التحلي بروح السلم، واحترام الأمن، وحق الحياة للآخرين، وذلك عبر الأبعاد السلمية الأخرى في الحج. الذي تهيمن أجواؤه النفسية الايجابية على المجتمع الإسلامي كلّه مدة انشغاله بالحج، منذ الأيام الأولى لسفر الحجاج إلى الديار المقدسة، وحتى أيام عودتهم إلىٰ أوطانهم.
إن مبدأ الأشهر الحرم يجسد نزعة سلمية عميقة لا تجعل الإسلام يكتفي من مجتمعه بأن يكون مسالماً ومحافظاً على الأمن فحسب، بل لابد له من أن