90الّتي يتوق إليها منذ صغره، ويرى أنه الأجدر بها.
وكانت إمارة الحج متشعّبة، فهي إما إمارة على تسيير الحجيج أو على إقامة الحجّ، والإمارة التي تولّاها أبو أحمد وولده الرضي كانت تجمع بين الأمرين؛ لأنهما كانا إذا تخلّفا عن الركب أنابا عنهما من يحج بالناس.
وتسيير الحجيج ولاية سياسة، تقتضي تدبيراً لأمر القافلة قبل الرحلة وتأمين السبل لها، ويشترط في أميرها أن يكون مطاعاً شجاعاً صاحب رأي وهيبة وهداية، يقيم حدود اللّٰه، ويقضي بين الناس، ويدبّر لهم ما يحتاجون اليه وكذلك فإنّ الولاية على إقامة الحج تقتضي من صاحبها فقهاً في الدين، وبصراً بشعائر الحج، وأن يكون قدوة صالحة 1.
ومرّ الشريف الرضي - رضوان اللّٰه عليه - بظروف صعبة جدّاً، وهي على قسمين:
الأول: زمن اعتقال والده حيث لفّقوا عليه التهم وهو بريءٌ منها، وقد سبق ذكره.
الثاني: اتهامه بالميل إلى ولاة الدولة الفاطمية بمصر، بعد أن اشتهرت قصيدة مطلعها: ما مُقامي على الهوانِ وعندي مِقولٌ صارِمٌ وأنفٌ حَميُّ
إلى آخر الأبيات التي فيها إظهار أمنيته بالالتحاق بمصر، وأنّ بقاءه في بغداد فيه ذلّ وضيم وهوان، ونسبت هذه القصيدة إلى الشريف الرضي، فعقد القادر باللّٰه مجلساً، أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي، وابنه أبا القاسم المرتضى، وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم أبيات الرضي، وقال للنقيب أبي أحمد:
قل لولدك محمد: أيُّ هوان قد أقام عليه عندنا؟ أيّ ضيم لقي من جهتنا؟ وأيّ ذل أصابه في مملكتنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه، أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟ أَلم نولّه النقابة؟ أَلم نولّه الحجيج؟ فهل كان