45«الصفا» و «المروة» وغيرها من الأعمال. وعليه يفرض هذا التساؤل نفسه، ما هو السرّ الكامن في هذه الأعمال والواجبات؟ وما هو وجه الاختلاف بينها وبين أعمال المشركين؟
وقبل البدء في بيان أسرار هذه الأعمال، نُشير إلى أن هذا التساؤل سبق أن طرح قديماً. ففي عصر الإمام جعفر الصادق عليه السلام حضر ابن أبي العوجاء - رئيس الماديين آنذاك - مع جماعةٍ من أصحابه عند الإمام الصادق عليه السلام، وتوجّه له بالسؤال التالي:
«يا أبا عبد اللّٰه! إنّ المجالس أمانات، ولابد لكلّ من به سعال من أن يسعل أتأذن لي في الكلام؟
فقال: تكلّم، فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المعمور بالطوب والمدّر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، إن مَن فكّر في هذا وقدّر علم أن هذا فعلٌ أمسه غير حكيم ولا ذي نظر. فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسّه وتمامه فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إنّ مَن أضلّه اللّٰه وأعمىٰ قلبه استوخم الحق، ولم يستعذبه، وصار الشيطان وليّه وربّه وقرينه، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره. وهذا بيت استعبد اللّٰه به خلقه؛ ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم علىٰ تعظيمه وزيارته، وجعله محلّ أنبيائه، وقبلة للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب علىٰ استواء الكمال، ومجمع العظمة والجلال، خلقه اللّٰه قبل دحو الأرض بألفي عام فأحقّ من أطيع فيه أمر، وانتهىٰ عما نهىٰ عنه وزجر اللّٰه المنشئ للأرواح والصور» 1.
فمن خلال المنطق القويم والحديث الحكيم، كشف الإمام الصادق عليه السلام النقاب عن بعض أسرار الحج. حيث سننقل نفحاتٍ ورشحاتٍ من حديثه المبارك وسائر أئمة الهدىٰ، الوارد في الإجابة عن هذا السؤال:
والهدف المتوخىٰ من وراء هذا النقل،