19وقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فيما رواه أحمد في مسنده: « اِسعَوا فإن اللّٰه كتب عليكم السعي» .
والوقوف بعرفة في ساحة الرضوان الإلهي، الساحة الواحدة الشاملة لجميع الحجّاج، إقبال خالص على اللّٰه عزّ وجلّ، واتصال روحاني مباشر مع اللّٰه، واحتماء بسلطان اللّٰه، وطلب فضله ورحمته، موقناً الحاج بإجابة دعائه.
وأما الرمي أو رجم إبليس في يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة: فهو رمز مادي لمقاومة وساوس الشيطان وأهوائه، والتخلص من نزعات الشر، ومحاربة الفساد والانحراف، فهو كما يقول المناطقة: « المحسوس يدل على المعقول» فيكون رمي الجمرات، واستلام الحجر الأسود، والطواف حول الكعبة، تمثيلاً للحقائق بصور المحسوسات ، ورمزاً لمعانٍ عميقة بصور حركية مادية، تذكّر المؤمن بأهدافها وغاياتها، وتحمله على استدامة المقاومة لشرور النفس ونزعاتها.
هذا هو القصد من هذه الشعائر، وليس كما يتصور سخفاء العقول من المستشرقين، وضعفاء الإيمان، أن مناسك الحجّ دوران حول أحجار، وتعظيم للرموز المادية، وامتداد للوثنية.
وقد تنتهي هذه الشعائر بذبح الأضاحي والنذور وجزاءت المخالفة للمناسك؛ ليكون ذلك الوداع الأخير للرذيلة بإراقة الدم تعبيراً عن التخلص منها، والتزام فضيلة التضحية والفداء، كما قال اللّٰه تعالى: «لن ينالَ اللّٰهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن ينالُه التقوى منكم كذلك سخّرها لكم لِتكبروا اللّٰه على ما هداكم، وبشر المحسنين» 1.
وكلّ هذه الشعائر والمناسك ذات المنافع الأخروية، تدل دلالة قوية على الثقة باللّٰه، وطلب أفضاله، وتشعر الإنسان في أعماق نفسه بعظمة اللّٰه وجلاله؛ وحلاوة مناجاته وعبادته، وطلب رضاه وقربه، فيكثر البكاء، ويشتدّ النحيب، وتصفو النفوس، وتتكاثر حالات التوبة النصوح الخالصة للّٰهوالندم على الماضي. هذا فضلاً عن تذكر أهل الإيمان بماضي الإسلام، وجهاد نبيّ اللّٰه وصحبه الكرام في نشر دعوة اللّٰه، وتحطيم معاقل الشرك، وهدم معالم الوثنية، وتهاوي الأصنام، وانتصار دعوة الحقّ والتوحيد. وما أجمل منافع الحجّ في حديث رواه البيهقي: « الحجاج والعمّار وفد اللّٰه، إن سألوا أُعطوا، وإن دعوا أُجيبوا، وإن أنفقوا أُخلف لهم» ! .
الهوامش: